تتداول هذه الأيام على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي صورة الدكتور كامل الطيب، كما هو معروف لجيل السبعينيات من أهل الطب، أو كامل إدريس كما يحلو له تسمية نفسه، ليس جرياً على نهج الأوروبيين الذين يعتمدون الاسم الثالت (اسم الجد) عنواناً للعائلة title، بل، أكاد أجزم، وبمعرفتي الدقيقة لهذه الشخصية، أن السبب الذي يماثل سلوكها في هذا المنحى هو، وما لا يكاد يخطر على بال، أن ذلك كان استثماراً وامتصاصاً لهالة شديدة السطوع على اسم رجل الأعمال صلاح إدريس الذي كان كوكبه دائراً في فلك الشهرة، وذيوع الصيت، عندما بدأ كامل الطيب في الترويج لشخصه داخل السودان من خلال استثمار منصبه بوصفه الأمين العام للمنظمة الدولية للملكية الفكرية.
وكانت البداية على صفحات صحيفة الوفاق التي شرع رئيس تحريرها، بلا مقدمات، في سرد رواية كامل إدريس على صدر الصفحة الأولى في سلسلة مقالات مفاجئة مرفقاً مقالاته بصورة كبيرة لمبنى المنظمة الدولية للملكية الفكرية، بحسبان أن الشخصية الرئيسية لروايته هو أمينها العام.
وتسارع إيقاع الترويج بوتيرة عالية فلم يمض أسبوع أو أسبوعان حتى ملأت أيقونة الرجل الصفحات، فما أن تتناول أي صحيفة إلا ويصادفك الوجه الحليق بابتسامة مبهمة، أو متذاكية لحد ما. وما أن اكتملت عدة الشهر الثلاثين يوماً إلا وكان الطائر الميمون يقل على ظهره ارتالاً من الصحفيين المتوجهين إلى جنيف فى زيارة لمقر الملكية الفكرية، التي ظهرت مسألة تولي أمانتها كإنجاز تاريخي لا يضاهى للعبقرية السودانية، وأطلقت إشادات غير متبصرة بالمنظمة وأهدافها (السامية).
والمعلوم أن هذه المنظمات التابعة للأمم المتحدة تنقسم إلى نوعين من خلال تاريخ هذه المنظمات، منظمات إنسانية الطابع والأداء وعلى رأسها الجمعية العامة (التي شهدنا أداءها وموقفها منذ أيام من قضية القدس)، ويماثلها في هذا الطابع والدور الإنساني منظمات كالصحة واليونسكو واليونسيف والأونروا والزراعة.
وهنالك منظمات هيمنة تؤدي دور الشرطي العالمي لمصلحة العالم الأول، وعلى رأس تلك المنظمات مجلس الأمن، والمؤسسات التي قامت وفقاً لمقرراته، ومن أمثلة هذه المنظمات التي تعدّ ذراعا شرطياً للدول الكبرى وعلى الأخص الولايات المتحدة وأوروبا هذه المنظمة الدولية للملكية الفكرية التي آلت إلى السودان بعد تقاعد أمينها العام الهنغاري الذي مكث في أمانتها لما يزيد على العقدين، وما طال به المكث فيها إلا أن عافتها الدول والتكتلات لدورها السالب الذي تؤديه على دول العالم الثالث، التي نهبت ثرواتها إبان الحقبة الاستعمارية، والآن يستهدف حرمانه من إنجازات العقل الإنساني باسم الملكية الفكرية، لذا منح منصب الأمين العام الشاغر إلى الكتلة الإسلامية داخل الجمعية العامة، وعلى رأسها باكستان التي أوكلت إليها مهمة اختيار الأمين العام، ولم تجد غير السودان من يدق صدره لحمل الأمانة نيابة عن أصحاب المصلحة من الدول الكبرى، ولم يجد مرشحه دكتور كامل الطيب إدريس منافسة تذكر لشغر منصب الأمين العام للمنظمة الدولية للملكية الفكرية.
وعوداً على بدء، فإننا نشهد في هذه الأيام من تقويم التيه السياسي دوران أيقونة كامل إدريس بمثلما حدث قبل عقدين من الترويج الذي انتهى بالطيران الديدالوسي للصحفيين السودانيين إلى مقر المنظمة في جنيف، وعاد خالي الوفاض لطبيعة المنظمة السلبية التي أشرنا إلى كونها أداة وذراع احتكار وباطشة بمصالح العالم الثالث، وها قد أطل علينا وجه الدكتور كامل إدريس للمرة الثانية متقدماً للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية يتقدمه رتل من الإجازات والإنجازات التي تضمنت حتى المؤتمرات والورش التي أقامتها المنظمة طوال تعهده أمانتها، والتي ليس من بينها إنجاز واحد يختص بالسودان والسودانيين، والذين لا يذكر له في هذا المقام إلا حادث تكريمه التراجيكوميدي لكبار المبدعين السودانيين في حديقة الريفيرا، وقدم لهم فيها المياه المثلحة والغازية فقط في عز الشتاء، وأهدى لكل منهم ميدالية مطلية باللون الذهبي حسبوه الاستبرق، ثم أصيبوا بخيبة الأمل أمام الصيارفة والنجامين.
وعلى الرغم من كل ما يحمله الدكتور كامل إدريس من هذه الشهادات والبراءات لا أجد له مقالاً واحداً يؤبه له عن السودان، سوى إنه في إحدى المرات أصدر نشرة صقيلة الورق ثمينة التغليف، ولكنها خاوية المضمون، ضحلة البحث، اعتمد فيها على منهج (ينبغي) المكشوف البالغ السذاجة متجاهلاً سؤال (الكيف)، مدعيا أن هذه النشرة مقدمة لموسوعة ضخمة تحمل الحلول لكل مشكلات، السودان، وقد قام الدكتور حيدر إبراهيم بالرد على تلك النشرة بما أوفى وكفى الجميع مؤونة الرد عليها. ولم يأت بعد ذلك ذكر لها، أو لموسوعتها المزعومة، ولعله يخبئها منذ عقدين ليحل بها مشكلات السودان الآن.
هذا ما يخص جانبه العلمي، ونسوق تساؤلاً بسيطا حول أمانته العملية أو الوظيفية، والسؤال هو: ما ملابسات إنهاء عمله في وظيفة الأمين العام لمنظمة الملكية الفكرية الدولية؟
*كاتب وشاعر