الخرطوم- التحرير – سهام صالح:
فرضت متطلبات المرحلة الاقتصادية الحرجة التي يمر بها السودان واقعاً جديداً على الأسر السودانية، وهو السعي الدائم إلى إيجاد دخل إضافي؛ لتحسين وضعها المادي.
واضطرت بعض الأسر إلى الحصول على قروض من البنوك، من أجل تأسيس مشروعات تجارية، ومما يؤسف أن قليلاً منها يكتب له النجاح، وتبدو أسباب الفشل كثيرة، من أهمها قلة الخبرة في المجال، والثقة الزائدة فيمن يجري الاعتماد عليهم لإدارة تلك المشروعات، كما أن هناك من يري أن الحصار الاقتصادي المفروض على السودان يلقي بظلاله.
الزوجة آخر من يعلم
من المعروف أن أي قرض يؤخذ من البنك يجب أن يتبعه كثير من الإجراءات، ومن أهمها ضمان برهن عقار أو ما شابه. كثير من أرباب البيوت الحالمين بالثراء أخذوا قروضاً من البنوك، ورهنوا العقار الذي يسكنون فيه ضماناً للقرض.
وفي أغلب الأحوال يفشل المقترضون في التسديد للبنك، ومن ثم، يتم الاستيلاء على المنازل التي يعيشون فيها، والتي تضم الأسر: الزوجات والأبناء والجدات، وقد تكون الأسرة ممتدة، وهذا ما أسفر عن ظاهرة “بيوت الدمعة”؛ نسبة إلى أن الرهن العقاري غالباً ما يحدث من دون علم الزوجة، التي تكون آخر من يعلم، وذلك في اللحظة التي يجري فيها حجز البيت، ولا تملك إزاء هذا الوضع المأسوي غير دموعها؛ لتعبر عن قلة حليتها، وتفكيرها في رحلة طويلة من المعاناة، تبدأ لحظة دق جرس الدلالة على المنزل، مروراً بأخذ متعلقات أفراد الأسرة الشخصية، والخروج من المنزل، تاركين وراءهم ذكريات لا تنسى.
كيف يجري الرهن للبنك من دون علم الزوجة والأبناء، الذين تنقلب حياتهم رأساً على عقب فجأة؟ سؤال يطرح نفسه؟ فغالباً ما تأتي لجنة من البنك لتقيم العقار، وتكون الزوجة خارج المنزل، ويكون تقييم العقار بشكل غير حقيقي، إذ تُخفض قيمته الحقيقية، وعقب هذا التقييم الجار يمنح القرض لطالبه.
المحتالون هم الفائزون
بعض من التقتهم “التحرير” عزوا ظهور بيوت الدمعة إلى تدني الأخلاق والطمع. يقول تاجر الأراضي إبراهيم حجر، وهو صاحب مكتب عقاري وله خبرته في هذا المجال: “هناك من يفتن في إغواء الناس بالربح السريع، ويزين لهم أمر الحصول على القروض، ويروي لهم حكايات عن رجال أعمال كبار تمكنوا من النجاح في السوق بسبب القروض التي نالوها من البنوك، وتتم عملية أخذ القرض ورهن المنزل برعاية محتالين يقومون بالاستثمار في أعمال تخصهم، وفي دائرة من الاعمال والقصص التي تشعر صاحب القرض أنه أصبح مليونيراً.
خلال أشهر قليلة يعطونه الأرباح، ثم يعودون ليأخذوا منه ثانية بحجة مشروع جديد، أو التوسع في المشروع نفسه، وبعد ذلك يهرب المحتالون بمال القرض، ويهرب رب الاسرة بعدها مضطراً إلى خارج السودان؛ لأنه لم يستطع السداد للبنك، ويخشى من السجن أو الفضيحة، وبعدها تتولى المحكمة حجز المنزل، وبيعه بالمزاد العلني، وسط دهشة الجيران، وربة المنزل التي لا تجد غير الدموع، والصمت الذي يصبح من أكثر الحلول ألماً”.
رحمة مشترٍ
القصص التي تحكي عن بيوت الدمعة في السودان تحمل الملامح نفسها، ولكن من أشهر القصص قصة مواطن رهن منزله مرتين لبنكين مختلفين؛ وأخذ قرضاً منهما، وأسس مشروعاً تجارياً، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، وعجز عن السداد، وهرب خارج السودان؛ ليترك الزوجة تواجه جرس المزاد بدموع أثرت في مشتري المنزل، الذي تركها سنتين لتعيش في المنزل، حتى ترتب أوضاعها، وتنتقل إلى منزل آخر.
ومن المضحك المبكي ان الجيران يكونون على علم؛ لأنهم يرون الدلالين أمام المنزل، وتكون الزوجة آخر من يعلم، أو تتناقل الجارات في الحي الحكاية همساً، حتى لا يصل الي مسامع الجارة، التي يخاف الجميع أن يكونوا سبباً في انهيارها ألماً.
القانون جائر
يقول المحامي والمستشار القانوني مختار عبدون: “القرض أمر مشروع وجائز، ونظمه قانون المعاملات المدنية لسنة 84، وهذا القانون يعرف بغلق الرهن، وفك الرهن. والرهن نوعان: تأميني وحيازي.
ومع تطور الوضع الاقتصادي والمعاملات في السودان، بدأ الناس في التعامل مع البنوك، وظهر كثير من التعاملات التجارية، وهذا ما اقتضي صدور قوانين منظمة لها، فكان قانون الأحوال المرهونة للمصارف، ثم أعقبه صدور أمر تأسيس المحكمة التجارية من رئيس القضاء؛ لتختص بالمعاملات المتعلقة بالأموال المرهونة للبنوك، وقانون الإفلاس، والشركات”.
وفي رأى عبدون “أن هناك قصوراً في هذا القانون، وهو يعود إلى سبيين:
أولهما: أن هذا القانون منح البنوك سلطة بيع العقارات أو المنزل المرهون، ومن ثم، جعل من البنك طرفاً في عقد الرهن خصماً وحكماً.
ثانياً: إن التعديل الذي طرأ على المادتين 8و9 لم يحقق العدالة، إذ إن التعديل منح المدين أي المرتهن وهو صاحب العقار الحق في أن يتقدم بعد استلامه للإنذار إلى البنك ليعين محكماً، وبعد أسبوع إذا تأخر البنك في الرد، يتم اللجوء إلى بنك السودان المركزي الذي يجبر البنك بتعيين محكم، ومن ثم يصبح من حق المرتهن اللجوء إلى المحكمة التجارية.
وهذا النوع يعرف بالتحكيم الاجباري، بعدها إذا اقتنعت المحمكة التجارية بما ورد من أسباب واضحة للنزاع تصدر أمرها بإلزام البنك بالتحكيم، ومن ثم، يجري تعيين محكمين ورئيس لهيئة التحكيم، وتكوين محكمه أخرى، وهذا يسمي القضاء الموزاي”.
هذا القانون -الحديث للمحامي مختار عبدون – “خلق عيوباً عملية أيضاً، منها أن بعض البنوك درجت على التعامل مع مكاتب مزادات معينة، وكثيراً ما يجري بيع المنزل بمخالفة لاشتراطات المزاد العلني الصحيح، من ناحية الإعلان وكيفية إجراء المزايدة”. ويضيف “أنه كثيراً ما يحدث خلط في تعريف طبيعة العلاقة ما بين البنك والراهن؛ لأن انواع المعاملات تختلف مع المصارف، فقد تكون مشاركة أو مرابحة، وقد تكون أمراً بالشراء. في كل الأحوال يلزم البنك صاحب العقار بأن يحرر عدداً من الشيكات؛ نظير المبلغ الذي استلمه”.
ويرى عبدون أن “هذا مخالف للقاعدة التي تقول إن العقود يجب أن تكون متوازية ومتعادلة. كما أن القانون جاء مفتقراً وخالياً من ضرورة تبيان طبيعة كل علاقه علي حدة ما بين العميل والبنك؛ وهذا ما أدى إلي ارتباك في التفاعل، وإطلاق يد البنك في اتخاذ إجراءات القبض حال ارتداد الشيك، إضافة إلى بيع العقار، ولاشك ان هذين الاجراءين معاً يتعارضان مع كثير من القواعد والمبادئ القانونية التي ترمي إلى تحقيق العدالة ومنها اليسر في التكليف؛ لأن النبي صلى الله علية وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ولأن أصل الدين هو المعاملة، ويقصد بها وفق الحديث الشريف: رحم الله رجلا سمحاً إذا باع وإذا اشترى، وإذا اقتضى”.
الفشل مكتوب مكتوب
وفي سياق الحديث عن “بيوت الدمعة”، يرى الخبير الاقتصادي محمد سوركتي ان السبب الرئيس لحدوث بيوت الدمعة يبدأ من لحظه استلام القرض، أو المرابحة بسيل من الرسوم ترواح في إجماليها بين 40-45% تشمل رسوم تسجيل لا تقل 1.5من قيمة العقار، مع 5% رسوم الأراضي، ورسوم تقييم المبنى، وأتعاب المستشار القانوني، ودفع نسبة المرابحة السنوية للبنك، وذلك حسب قيمه ومدة القرض التي لاتقل عن 12% لكل سنة، وبعدها يجري دفع نسبة 1% رسوم ضريبة للدولة، إضافة الى خسارة المدين نسبة تراوح بين 15-25%عند بيع السلعة التى أشتراها من البنك أو خلافه عبر المرابحة، أى ما يسمى ببيع الكسر، ولا ننسي قصر فترة السماح إن وجدت؛ لأنه فى الغالب يدفع مقدم يراوح ما بين 15-40% من قيمة المرابحة. كل هذه الرسوم والأسباب ترهق المقترض، وهذا ما يمهد الطريق إلى فشل أي مشروع لأي مستثمر؛ خصوصاً صغار المستثمرين.
لا شك أن “بيوت الدمعة” في السودان واقع جديد في المجتمع السوداني، أفرزته ضغوط اقتصادية مع قوانين معيبة وضعت رب الأسرة في وضع حرج، وهذا يصنف تخت خانة المثل الشعبي “جاء ليكلحها فعماها”، وهذه المقولة تبقى صحيحة دائماً في ظل اللهاث وراء تحسين الوضع المادي للأسرة، في واقع لا يرحم.