مثلما أن بعض أحزاب المعارضة لا تستفيد من تجارب الماضي في قضايا التحالفات وسرعان ما تعود إلى الوقوع في الأخطاء نفسها في تحالفات جديدة بالمواصفات نفسها دون تقييم تلك التجارب الماضية، فإن الحركات المسلحة أيضا لا تضيع سانحة للجلوس مع الحكومة التي تقاتلها عسى أن تظفر بصفقة تحقق أهدافها وطموحاتها وحينها سوف لا تتوانى في إعطاء ظهرها للأحزاب التي تحالفها مرحلياً للاستفادة من زخمها الشعبي أو عقلها السياسي في مراحل بحثها عن أهدافها .
هكذا فعلت الحركة الشعبية بزعامة الراحل الدكتور جون قرنق التي تحالفت في التجمع الوطني الديمقراطي مع أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي وغيرها مستفيدة من زخمها السياسي في تقوية موقفها، وهي تحاور الحكومة منفردة من خلال منظمة الإيقاد أو من خلال نيفاشا؛ حتى حققت جميع أهدافها، ثم أعطت ظهرها لحلفائها الذين تفرقت بهم الأهواء والدروب، فرضي بعضهم بقسمة الحكومة الضيزى له، وبقى بعضهم ممسكاً بجمر مواقفه .
كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان حينها تقول لحلفائها في التجمع عندما يحتجون على انفرادها بالتفاوض إنها “طالبت بإشراكهم في المفاوضات، لكن الحكومة رفضت ذلك”، والحقيقة أنها كانت تتفق مع الحكومة في عزلهم حتى نجحت في تحقيق أهدافها منفردة، بعد أن نجحت في استغلال تلك الأحزاب الشمالية أيما استغلال .
بالطبع لا أحد يلوم الحكومة أو أجهزة أمنها في محاولات إضعاف خصومها والانفراد بهم كما تفعل، لكن اللوم بالطبع يقع على عدم اهتمام الأحزاب المعارضة بتقييم تلك المواقف والتعامل معها في مسيرة تحالفاتها؛ حتى لاينتفع بها بعضهم لغير مصلحة السودان.
اليوم للأسف يتكرر المشهد ذاته، وبالعبارات ذانها في إطار تحالف قوى نداء السودان؛ إذ نجحت الحكومة في إغراء حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان الحليفين الرئيسيين لحزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني داخل تحالف نداء السودان وهو التحالف الذي منحه وجود حزب الأمة وزعيمه السيد الصادق المهدي زخماً سياسياً وإعلامياً وشعبياً وإقليمياً ودولياً كبيراً، ثم نجحت الحكومة أيضا بوساطة ألمانية لا يستبعد أن يكون للأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور على الحاج دور كبير فيها في اجتذاب حركتي جبريل ومني إلى محاولة إيجاد صفقة منفردة معهما لتحقيق أهداف الحكومة في ضرب تحالف نداء السودان من ناحية، ونكاية في حزب الأمة القومي من ناحية أخرى، على طريقة التعامل السابقة نفسها مع الحركة الشعبية.
لذا ليس بمستغرب أن تبرر الحركتان قبولهما حواراً منفرداً مع الحكومة بعبارات الحركة الشعبية نفسها قبل أكثر من عقدين، وتأكيد أن الحكومة رفضت أن يكون الحوار شاملاً مع بقية أعضاء تحالف نداء السودان، ومقتصر عليهما فقط .
الحكومة تدرك أن مصلحتها السياسية في ممارسة سياسة حوارات ومفاوضات القطاعي مع معارضيها، وللأسف أن بعض المعارضين لا سيما في الحركات المسلحة لا يمانعون في هذا النوع من الحوارات الجزئية، التي بالضرورة تفضي إلى حلول جزئية، وتحقق طموحات فردية في أغلب الأحيان، ليس لها علاقة بأزمة السودان الكلية.
غير أن هناك قطاعاً واسعاً من السودانيين يأملون لو أن حزب الأمة القومي الذي تصدى للمعارضة السلمية والسياسية ولايزال دون القبول بمشاركة شكلية أو ديكورية مع النظام، قاد تحالف نداء السودان في اتجاه التركيز في تفعيل دور الأحزاب السودانية المدنية المعارضة، وقوى المجتمع المدني، وقوى الشارع السوداني، وأوساط الشباب بجميع قطاعاتهم؛ لإجبار النظام الحاكم على تفاوض شامل لا يستثني أحداً يقود إلى مخرج سلمي من الأزمة الراهنة دون أن يكون سلماً سياسياً لبعض الحركات أو لحلول أو اتفاقات جزئية غير ذات معنى.
لقد بذل السيد الصادق المهدي بوصفه زعيم حزب الأمة وصاحب مبادرة نداء السودان بنية صادقة دوراً كبيرًا في إقناع الحركات المسلحة بالتخلي عن فكرة إسقاط النظام بالقوة المسلحة؛ لخطورة ذلك على البلاد، وبضرورة النضال السلمي، والتفاوض السياسي؛ لأن ذلك ينسجم مع دوره الوطني وحرصه على سلامة الوطن، لكن المطلوب أن لا يستغل هذا التوجه السلمي لبعض الحركات في إبرام اتفاقات جزئية مع الحكومة تحقق فقط مجرد مكاسب ذاتية على طريقة الحركات التي تشارك الحكومة حالياً، والتي تشكل مشاركتها عبئاً مادياً إضافياً على عبء الحزب الحاكم الذي يتحمله الشعب السوداني .
والعقل يقول لو أن تلك الحركات الدارفورية التي قبلت التفاوض في برلين كانت أكثر إصراراً على المطالبة بأن يكون الحوار ضمن اتفاق خارطة الطريق التي تشرف عليها الآلية رفيعة المستوى، وبكل الأطراف من أحزاب وحركات لايجاد مخرج لكان يمثل ذلك نضجاً سياسياً، وسوف لن تمانع الخارجية الألمانية حينها في دعم ذلك؛ لكن للأسف ربما يكون قبولها لذلك باعتقاد أنه ربما يحقق لها بعض المكاسب الذاتية.
ويبقى الكاسب الوحيد هو الحكومة في سعيها إلى إضعاف نداء السودان من ناحية، وضم الحركتين إلى زفة الحركات الأخرى التي تشاركها من ناحية أخرى ، وستبقى الأزمة معلقة حتى يدرك الجميع أن لا سبيل للاستقرار إلا من خلال حل شامل وعادل يضع البلاد في مسارها الصحيح.