حين تكون الهمة عالية، لا تقف في وجهها أي عوائق.. دخل المدرسة حين كان أنداده يلعبون.. وعلى الرغم من اعتراض والده على ذلك .. فهو لديه مراحات إبل كثيرة تريد من يرعاها.. ولا يحتاج إلى التعليم فعندهم ما يكفيهم ويفيض.. كانت والدته هي من أصرت على أن يتعلم.. وبزّ رفاق الدراسة، وتفوق عليهم.
امتحن الشهادة السودانية، ولبعض الأخطاء التي لم يكن مسؤولاً عنها لم يقبل في جامعة. ولكنه كان من أوائل الطلبة الذين تم قبولهم في معهد التربية بالفاشر.. وتابع دراسته، وحصل على دبلوم التربية وعلم النفس من بخت الرضا، التي كانت منارة تعليمية يتخرج فيها معلمون أكفاء أرسوا دعائم التعليم في السودان ذاك الوقت.
أصبح معلماً، وجال في مناطق دارفور المختلفة، إلى أن انتُدب إلى سلطنة عمان معلماً للغة الإنجليزية، وفي أثناء ذلك نال الدبلوم في الترجمة، والماجستير في إدارة الأعمال MBAA بالمراسلة من إحدى الجامعات البريطانية. وقد انتُدب من وزارة التربية العمانية إلى مدارس الجيش في القوات السلطانية الخاصة، وأسس فيها قسم الترجمة.
ولعدة ظروف، عاد إلى السودان في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وواصل مشواره التعليمي، وأسس معهد الفاشر للتعليم التقني، الذي كان أول معهد يعلم علوم الكمبيوتر خارج العاصمة، وكان من أوائل المعاهد في السودان قاطبة قبل انتشارها، وكان إضافة إلى تعليم علوم الكمبيوتر يدرّس اللغة الإنجليزية والخط العربي والإدارة والسكرتاريا وغيرها.
وانتقل إلى العاصمة الخرطوم لظروف أسرية، وواصل مسيرته في التعليم معلماً، ثم مديراً في المدارس الثانوية.
مع مواصلة عمله في الترجمة مترجماً مستقلاً، قرر أن يحضر ماجستير الترجمة، ولكنهم طلبوا منه شهادة بكالوريوس؛ لكي يحصل على شهادة الماجستير، وكان حينها يعمل أستاذاً متعاوناً يدرّس الترجمة واللغة الإنجليزية في جامعة الرباط في كلياتها المختلفة.
تقدم للجامعة، وحصل على درجة البكالوريوس بامتياز من كلية اللغات والترجمة جامعة الرباط، قدم للماجستير، وحصل عليه بامتياز من معهد الترجمة جامعة جوبا، وواصل التقديم للدكتوراه، ولكن لظروف إغلاق جامعة جوبا بسبب انفصال الجنوب تعذرت عليه المواصلة، ولهذا قدم للحصول عليها من جامعة الرباط كلية اللغات والترجمة، التي أصبح الآن رئيساً لقسم الترجمة فيها.
حصل والدي الأستاذ صالح محكر يوم السبت (25 مارس 2017م) على درجة الدكتوراه بامتياز في الترجمة العامة ببحثه الموسوم “مزالق ترجمة المترادفات الإدراكية Translation Pitfalls as related to the Selection of Appropriate Synonyms” .. ، وقد أوصت اللجنة على إدراجه في مناهج الترجمة في الكليات المتخصصة؛ ليصبح مادة تدرس بها.
أشرف على رسالة الدكتوراه د. محمد محمد عبدالله الشنقيطي العميد السابق لكلية اللغات والترجمة بجامعة الرباط، وكان الممتحن الخارجي د. محمود علي أحمد كلية اللغات جامعة السودان، والممتحنة الداخلية د. فاطمة قطبي سالم من المعهد الإسلامي للترجمة.
كثيراً ما أدهشني أبي بمثابرته على تحصيل العلم والاجتهاد فيه، ولم يتوقف عن نيله حتى وهو في ستينيات عمره، وواصل سعيه الحثيث نحو تطوير نفسه، والصبر على ظروف السودان القاسية جداً خصوصاً للمعلمين من أمثاله، الذين أصبحوا نادرين في عصرنا هذا.. عصر اللهث وراء المادة من دون تجويد أدائهم، ودون مراعاة طلابهم، ولا أعمم، ولكنه كان دوماً يضع طلابه في المقام الأول بجميع أعمارهم وفئاتهم ومراحلهم التعليمية.
مبروك د. صالح آدم محكر هذا الإنجاز العظيم، وأفخر أنني من صلب هذا الرجل المجتهد المثابر، ومن عرفه عن قرب يعلم صفاته أكثر مني.
كل الحب له .. والتحية لوالدتي الصابرة، التي دعمته في مشوار حياته منذ البداية، ولإخوتي وأخواتي، وكل الذين وقفوا معه، وكانوا له عوناً وسنداً.