تمرّ علينا اليوم الذكرى التاسعة لعملية “الذراع الطويل” التي دخلت بها قوات حركة العدل و المساواة السودانية إلى العاصمة السودانية نهاراً جهاراً و عنوة و اقتدراً بقيادة زعيمها المقدام الشهيد الدكتور/ خليل إبراهيم محمد – على روحه شآبيب الرحمة – لتوصل رسالة قوية، ليس إلى الشعب السوداني الأبي فحسب، و لكن إلى العالم أجمع، مفادها أن ما يُسمّى بقضية دارفور هي قضية السودان و صنيعة المركز، و أن الذين يشعلون النيران في أطراف الوطن ليسوا بمنجاة منها ما لم يسارعوا في إطفائها.
تمرّ علينا الذكرى التاسعة و تحمل معها شيئاً من بشائر النصر، و قد تنسّم بعض من أبطال عملية الذراع الطويل، و لفيف من رفاق دربهم الذين وقعوا في الأسر في العملية التي إشتهرت ب”قوز دنقو”، نسائم الحرية بعد أن قضوا ردحاً من الزمان يرزحون في الأغلال في ظلمات زنازين النظام. فالتهنئة الخالصة لهم بما منّ الله عليهم من الحرية و العودة إلى أحضان الأهل و الأحبة الذين لاقوا ما لاقوا من العذاب بسبب استطالة ليل أسرهم البيهم، و الوعيد المستمر بتنفيذ حكم الاعدام فيهم. و العقبى للذين ينتظرون ذات الساعة المباركة ليستردّوا حريتهم و طعم الحياة لأسرهم التي فارقته يوم أن وقع أبناؤهم في الأسر.
تمرّ علينا ذكرى عملية الذراع الطويل، و قد صار شعبنا أكثر وعياً بقضيته، و أشدّ توقاً لعملية ذراع طويل تخلّصه من الكابوس الجاثم على صدره لما يقارب العقود الثلاثة. و إزداد أبطالنا القابضون على الزناد، و شبابنا و أهلونا في معسكرات المهانة و في كل أركان المعمورة عزماً على السير في طريق الثورة حتى ينتزعوا حريتهم و حقوقهم المسلوبة، و يرفعوا عن كاهلهم الظلم التاريخي الواقع عليهم، أو ينالوا الشهادة دونه مقبلين غير مدبرين و لا هيّابين.
تمرّ علينا ذكرى العملية الجسورة الفذّة، و قد إرتمى النظام بكلياته في أحضان الغرب الذي طالما رقص على أنغام منازلته، و صار عميله الأول في المنطقة و الإقليم بلا منازع. و قدم دماء شبابنا قرباناً لتكفير ما اقترفت يداه و لسانه في حق أهل الخليج لا حباً فيهم، و لكن طمعاً في ذهب المعز و لا غرابة. فالنظام يغيّر تحالفاته و يتنكّر لماضيه و أصدقائه دون أن يرفّ له جفن. كما عمل النظام على تمديد عمره بمسرحية “حوار الوثبة” الهزيلة الذي أعتاش باسمه الانتهازيون و أهل الأطماع سنين عددا، و كانت عاقبة أمره صراع الصغار حول مائدة اللئام، و لم يجن منه الشعب إلا الإحباط و فقدان الأمل و ضنك المعيشة.
و نحن نعيش ذكرى عملية الذراع الطويل، لا بد من التأكيد على الآتي:
1- بلادنا في حاجة ملحّة إلى سلام و وفاق وطني يحفظ وحدته و دماء بنيه أكثر من أي وقت مضى.
2- السلام المنشود لا و لن يتحقق بالفهلوة، و تسجيل النقاط على الخصوم، و شراء الذمم، و الركون إلى الحلول العسكرية الأمنية، أو باستجداء رضا المحيط الإقليمي و الدولي و خطب ودّه كما يفعل النظام. لن يتحقق السلام إلا بتوفّر إرادة سلام حقيقية بين أطراف الصراع أنفسهم و أهل السودان جميعاً، و بتوفّر عزيمة صادقة لدفع استحقاقاته، و استعداد جازم لإحداث تغيير بنيوي في طريقة حكم البلاد.
3- لن يبقى خيار البحث عن السلام و الحوار الوطني الجامع عبر خارطة الطريق الإفريقية مفتوحاً بصورة مطلقة، و للناس خيارات إن أصرّ النظام على دفن خيار خارطة الطريق.
4- لن يتحقق التغيير البنيوي المنشود بالأماني أو البيانات الرنانة. و إنما يحتاج في الطرف الآخر إلى معارضة قوية و متماسكة، قادرة على تعبئة الشارع و تفجير طاقات الشعب لصالح مشروع التغيير. الحلول الصفرية لن تحقق السلام و الحرية و التحوّل الديموقراطي. و قطعاً اللهث وراء أحابيل النظام و ألاعيبه لن يصلح أن يكون خياراً. المعارضة في حاجة كبيرة إلى معرفة دقيقية بالأهداف الإستراتيجية و التمسّك بها، و إلى درجة من المرونة الحذرة في التعاطي مع معطيات الواقع.
5- سيبقى السلاح خياراً ما فتئ هو خيار النظام في مخاطبة القضايا السياسية. و ستبقى البلاد مهددة بالتفتيت ما لم تُرفع المظالم التاريخية الواقعة على الأغلبية المهمشة، و تعالج آثار الحرب بمنهج عقلاني، بعيداً عن قهر النازحين و اللاجئين و استضعافهم. فالظلم أكبر محفزات الفرقة.