الخرطوم- التحرير- شادية جادين:
مصلي من الزعف
يزخرالسودان بكثير من الموروثات الشعبية ذات الطابع الجميل المميز. الصناعات اليدوية التي تحترفها المرأة وتعتمد فيها على الخامات الطبيعية المحلية واحدة من تلك الموروثات الشعبية، التي تشكل لوحة سودانية خالصة من منتجات بيئتنا.
صناعة (السعف أو الزعف) واحدة من تلك الصناعات التي يتجسد فيها كثير من مكونات التراث الشعبي السوداني، وظلت هذه الحرفة تتحدى الزمن، على الرغم من التغير الذي حدث في المجتمع، وطمس كثيراً من الحرف الشعبية. وتعتمد صناعة الزعف على الدقة والإتقان، ولها حضور مميز في عادات البيت السوداني، وتقاليدة.
السعف أو(الزعف) في اللهجة المحلية هو ورق شجر الدوم والنخيل الجاف، ويدخل في كثير من الصناعات اليدوية التي تبدأ بوضع السعف في الماء مدة حتي يلين، ومن ثم يسهل تقسيمه إلى شرائح يتم فرزها لتحديد الشكل المراد صنعه، ويوضع القسم المراد تلوينه في الأصباغ التي توضع على النار، وتسمى العملية محليا بـ(التفتة)، وهي صناعة صديقة للبئية؛ إذ لا تدخل فيها مواد كيميائية.
مهارة ودقة
تأتي بعد ذلك العملية الفنية التي يتم فيها نسج (السعف)، وتسمى ( الضفيرة)، وهي عملية تحتاج إلى مهارة عالية، كما تحتاج إلى صبر ودراية وخبرة، لتخرج منها احدى تلك المصنوعات، وهي (البرش) الذي كانت له استخدامات كثيرة داخل البيت السوداني في الأفراح والاتراح، وكذلك في الجلسات الأسرية اليومية، كما كانت تصنع منه سجادة الصلاة، وعلى الرغم من غياب (البرش) عن كثير من البيوت بسبب دخول بدائل أخرى؛ إلا أنه لا زالت هنالك بعض الاستخدامات لصناعات الزعف باقية خاصة (البروش).
برش الجرتق
في دكان الخالة فاطمة بسوق أمدرمان، الذي يفوح منه عبق الماضي مجسداً في صناعاتها السعفية بكل أشكالها، حدثتنا عن (البروش) وتميزها في التراث السوداني، وحضورها بوصفها من المكونات المهمة للبيت، وكذلك توقفنا معها عند استخدامات (البرش)، فقالت لنا: “على الرغم من ظهور بدائل للبرش، وخصوصاً في مناسبات الأفراح؛ إلا أن هنالك بعض الأسر لا زالت تتمسك بأشياء الأمهات والحبوبات القديمة، وبعض الأسر بدأت تكسر حاجز التطور واستخدام البدائل المستوردة، ورجعت لموروثاتنا لبساطتها وطابعها الجميل”.
وأضافت “أن البرش المصنوع من السعف المصبوغ باللون الأحمر يمثل حضوراً أنيقاً في مراسم العرس، ويكون على طول السرير، وتجده أساسياً في مراسم (الجرتق للعرسان)، حيث يوضع على سرير خاص للجرتق أحمر اللون؛ حتى يكون مكملاً للوحة التراثية الجميلة، كما أنه كان في السابق أساسياً لـ (رقصة العروس)، إذ كان يوضع لها على الأرض لتؤدي رقصاتها عليه، في التزام دقيق بعدم الخروج عن مساحته المحددة، ومثل هذه النوع من البروش تحتاج صناعتها إلى زمن يراوح بين 3 إلى 4 أيام لصاحبة الخبرة، وتجارته رائجة للطلب المتزايد عليه”.
أنواع واستخدامات
أما البروش الطويلة التي يراوح طولها ما بين 6إلى 7 أمتار، تقول الخالة فاطم: “هذا النوع كان يستخدم في الصلاة بالمساجد، وفي موائد إفطار رمضان في الطرقات، وفي حلقات العلم في الخلاوي، وهذا النوع من البروش حلت محله الصناعات البلاستيكية والموكيت”.
وتضيف الخالة فاطمة “أن هناك نوعاً ثالثاً من البروش وهو برش (الجنازة)، ويصنع من السعف القوي الأبيض، ويكون بطول السرير، ويوضع عليه (الميت)عند تشييعه للمقابر، وهذا النوع مازال له حضور مهيب في كل البيوت السودانية”.
(ﺍﻟﻤﺸﻠﻌﻴﺐ) ﻭ (ﺍﻟﻘﻔﺎﻑ)
وتقول الخالة فاطمة: “إن (السعف) يدخل في كثير من الاستخدامات ذات الطابع السوداني، لذا يعدّ أحد ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ، إذ كان يعتمد عليه ﻓﻲ تصنيع الأثاث، بل الأواني المنزلية، وحافظات الطعام، مثل (المشلعيب)، و(القفاف) أي السلال، وكذلك كان يستخدم في أسقف البيوت المبنية من اللبن (الطين)، وأيضاً تصنع منها أغطية للطعام (أطباق)، إلى جانب كثير من الاستخدامات، التي يصعب حصرها.