تناولت الأسافير فيما مضى من الأيام خبر لقاء والى الخرطوم مع الطاهر التوم في برنامجه التلفزيوني الذي استضافه فيه. ولقد تفوه الوالي ببعض الكلمات الطائشات في حق ثلاثة من أحياء العاصمة متوزعة على الخرطوم (الكلاكلة) وامدرمان (أمبدة)، وبحري (الحاج يوسف).
وقد ذكر الوالي ان هذه المناطق الثلاث قد فرضت نفسها فرضاً على سيادته وعلى الولاية. وما يهمنا هنا ان نرد نحن في الكلاكلات على هذا الادعاء الاجوف غير المؤسس على أي منطق أو ادلة او براهين تعضد كلامه او ما سلف إليه باعتبارنا المنطقة الأقدم تاريخياً في الولاية متزامنة مع/ أو تقل قليلاً من جزيرة توتي في نشأتها، أما امبدة والحاج يوسف فإني متأكد انهم سيردون بالمثل.
من عجب أن سيادة الوالي قد ذكر ان الكلاكلة قد فرضت نفسها فرضاً على ولايته!! ونود أن نستعرض ونفند بالحقائق التاريخية والجغرافية والإسلامية والعلمية والحضارية أن سيادته هو من فرض نفسه على الكلاكلة (وهو غير مرحب به) فرضاً اقتضته ظروف جيوسياسية بحتة، ولكنها حتماً ستزول وسيعلم حينها سيادته أي منقلب سينقلب هو وعشيرته الأقربون.
واضح ان سيادة الوالي (الحاذق) لم يقرأ التاريخ الخاص بولايته ولم يسأل حتى عن هذا التاريخ، فلو أنه قرأ كتاب (تاريخ الخرطوم) للبروفيسور محمد إبراهيم سليم، أو كتاب (أسير المتمهدى) لكاتبه جورج زيدان، أو كتاب (حصاد القرون لمؤلفه سعدالدين محمد أحمد)، لو فعل ذلك لكفانا من ان نسطر هذه الكلمات المهذبات في حقه؛ لأن كل هذه الكتب تناولت سيرة الكلاكلة خاصة استاذنا وابن المنطقة سعدالدين محمد أحمد (العديد من الحقائق التاريخية حول المنطقة في هذا المقال قد أخذناها من مؤلفه “حصاد القرون” جزاه الله عنا كل الجزاء أن حفظ لنا تاريخ المنطقة من الاندثار هو والمؤرخ حامد أحمد حسب الرسول).
لو قرات التاريخ سعادة الوالي لعرفت ان الكلاكلة التي فرضت أنت نفسك عليها هي أعرق مناطق العاصمة مع جزيرة توتي فقد نشأت تاريخياً في 1534م وفى نفس موقعها الحالي (نسأل سؤال خالي من الخبث ونقول ترى اين كان سيادة الوالي او حزبه الحاكم حينها؟)، ومنذ نشأتها فقد كانت الكلاكلة حاضرة ثقافية إسلامية عظيمة يقوم علماؤها بنشر الشريعة الإسلامية السمحة (لا كما شوهتموها انت وحزبك وجوقة المطبلين من حولكم) وقاموا بتحفيظ القرآن الكريم في الكلاكلة وما جاورها وحتى من خارجها من كل بقاع السودان الحبيب منذ زمن السلطنة الزرقاء(الشيخ على بن محمد الملقب بـفتّاى العلوم، الشيخ العالم جادالله ابوشرا، الشيخ العالم عبدالقادر ود ام مريوم، الشيخ دفع الله الهاشمي، وعالم السودان النجيب الشيخ النذير خالد الماحي وليس انتهاءاً بالعالم الجليل الورع الشيخ إبراهيم الزين الذى تشع مجالسه العلمية حالياً في الكلاكلات والسودان وحتى دول الخليج) وحتى تاريخ اليوم لو كنت لا تدرى أيها الوالي ليت من حولك يخبرونك بذلك حتى تعلم من الذى فرض نفسه على الآخر.
لو قرات تاريخ ولايتك لعرفت مجاهدات أهالي الكلاكلة وفروسيتهم في زمن المهدية، وكيف أن المهدى قد عسكر بقواته من الجهة الجنوبية في الكلاكلة، وكيف انهم استضافوه وحاربوا معه العدو ودخلوا معه بقواتهم وفرسانهم الأشداء حتى قصر غردون باشا بقيادة الشيخ عبدالقادر ود أم مريوم. لو قرات تاريخ ولايتك لعرفت أن الكلاكلة قد رمت المهدية بفلذات أبنائها من الفرسان الأقوياء الصناديد أصحاب الصولات والجولات في معركة القلابات ضد الحبشة ومنهم الفكي إبراهيم أحمد الذي انقطعت يده في المعركة حتى سُمى إبراهيم أبيّد (يُقال ان له صورة بيده المقطوعة في بيت الخليفة بامدرمان)، وكذلك فعل الأمير الفكي دفع الله احمد الشيخ دفع الله (والده استشهد بالقلابات).
اما أشهر فرسان الكلاكلة في المهدية فهو الأمير شكر الله خوجلى الذي لما اقتربت ساعة المعركة الكبرى بكررى أنشد هذه الأبيات وهو يتحرق شوقاً لمنازلة الإنجليز:
يوم التلاتاء صباح ….. جونا السٌنّاح وقُباح
حس الجُلة فوقنا صاح …. وَجَبَت جنة المصباح
وُوكت الانجليز جونا شردوا …. خلونا
نشيل الشكرة لي أبونا …. ونحن الجنة لينا مضمونه
ما بشرد بطالة علّى
بنات آدم بعايننّ لّي
بنات الحور بشاشنّ لّي
تعال يا طير أُكل لحماً كلو مطايب
لحم صُبيان ما فينا من شايب.
لتعلم أيها الوالي أن أول شهيد من جيش الأنصار على أرض معركة القلابات هو الشهيد ابن الكلاكلة على القريش في عام 1306هـ، وكذلك الشهيد ابن المنطقة العباس ود على.
ثم ألم تسمع في عهد حكمكم بشهيد السودان ابن الكلاكلات البار وأحد أسود صيف العبور فارس معاركها وشاعرها الشهيد ملازم وداعة الله إبراهيم وقد ذهب بسلام إلى ربه، بينما انت تهذي بكلمات مهترئات حين ضربت الطائرات الإسرائيلية بورتسودان (وهي طافية النور!) وتطلع علينا وعلى العالم أجمع بأحدث نظرية دفاع بالعالم (الدفاع بالنظر)، فالكلاكلة المنطقة لم تبخل ببنيها على السودان والإسلام من زمن السلطنة الزرقاء حتى تاريخه وبخلت انت وزيراً للدفاع على السودان بذرة من عزة او كرامة، وبخلت علينا والياً بالخدمات وبالخبز والوقود والأمان ….. فمن فرض نفسه على من؟
كانت للكلاكلة حدوداً جغرافية مسجلة رسمياً ومعتمدة بتوقيع حاكم عام السودان من الانجليز وتبلغ مساحتها 50 كلم مربع، ومن عجب لم ينزعها منهم الإنجليز (الكُفار) ونزعتها حكومتك (المتأسلمة) بدون وجه حق ولم تعوض أصحابها من المٌلّاك الا الفتات واستفادت منها استثماريا وباعتها عقارات تجارية وسكنية، فمن فرض نفسه على من؟ وإذا كانت الكلاكلة عشوائية كما تدعى (وهي أبعد ما تكون عن ذلك) فلماذا تستثمر الدولة في منطقة عشوائية؟ ثم من أتى لمن؟ ومن فرض نفسه على من؟
لو درست جغرافية الخرطوم سعادتك لعلمت ان كبرى الحرية هو بوابة الكلاكلة لأنها اول بلدة جنوب الخرطوم فسميت البوابة بها، والسؤال هل زحفت الكلاكلة نحو الخرطوم أم زحفت الخرطوم نحو الكلاكلة؟ الكلاكلة سيدي الوالي هي في نفس موقعها منذ نشأتها قبل نحو 500 سنة، فمن فرض نفسه على من؟
ابن الكلاكلة البار الشيخ العالم الجليل النذير خالد الماحي الذي كان قاضى القضاة في المهدية في الفترة من 1895 حتى 1898م شرّف السودان وعلماء السودان وقهر شيخ الازهر الشريف في تلك الفترة الإمام محمد عبده في مناظرته الشهيرة (نيابةً عن علماء السودان) بدار المحكمة الشرعية بالخرطوم في العام 1902م، وتفوق عليه وقد أقر الامام محمد عبده بذلك، ولم يكمل المناظرة، ولو نظرنا مقابل ذلك في العصر الحديث نجد ان حلايب قد أُنتزعت في عهدكم (الميمون!) ولم تعد لحضن الوطن حتى اللحظة! فمن جنى على منّ؟ ومن فرض نفسه وذلته على من؟
الزعيم الأزهري عندما جاء لزيارة ابن الكلاكلة السفير و وزير الخارجية المرحوم محجوب مكاوي معزياً له في وفاة والده (ان لم تخني الذاكرة) سأله كيف يتحمل كل هذا العناء للوصول لمقر عمله يومياً من الكلاكلة حتى الخرطوم، والطريق لم يكن مسفلتاَ حينها، فأمر برصف طريق الخرطوم جبل أولياء في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي نصرة لأحد مواطني وساكني الحدود الإدارية للخرطوم ، بينما سعادتكم تتهربون من مسؤولياتكم الأساسية في توفير أدنى مقومات الحياة لإنسان الولاية الصابر فلا خبز ولا وقود ولا غاز للطبخ ولا أموال في البنوك، فمن فرض نفسه على من؟ ومن اغتصب الحياة من منّ؟
اقتصادياً وإن كنت لا تعلم والينا الهمام، كانت الكلاكلة منذ عهد الأتراك العثمانيين وإلى الخمسينيات من القرن الماضي تمثل الشريان التاجي في تزويد الخرطوم (التي تتربع اليوم انت والياً عليها) بكل ضرورات الحياة من الأغذية لحوم وأسماك وبيض وألبان، وأدوات البناء من الغابات والنباتات والفحم والحطب، …. ولك أن تعلم أيضاً ان الكلاكلة لا تزال شرياناً تاجياً اقتصادياً لولايتك الخرطوم وتمدها حتى تاريخ اللحظة هذه ببلايين الجنيهات (ولا أقول مليارات) من جبايتكم من محلية جبل أولياء التي تمثل الكلاكلة عاصمتها ومركز الثقل فيها (أثرى محلية في ولاية الخرطوم) ومن هذه الجبايات البليونية تأخذون رواتبكم ومخصصاتكم وسياراتكم الفارهة ووقودها ومطعكم وملبسكم حتى العمة التي أطليت علينا بها في ذلك اللقاء المشئوم (وتمخطت فيها في لقاء آخر على الهواء مباشرة!!) هي من أموال الكلاكلة وبالمقابل فرضتم على سكان الكلاكلات البلهارسيا على شواطئ النيل والمزارع، وفرضتم عليهم البعوض والملاريا وأطنان من الذباب ومياه أمطار توجد طول العام في شوارعها وأسواقها حتى تهيأ لنا ان سوق اللفة وما به من مياه راكده هو جندول افريقيا…. فمن جنى على منّ؟ ومن فرض نفسه وفرض المرض والفقر على منّ؟
سيدي الوالي لو افترضنا جدلاً أننا – في الكلاكلة – قد فرضنا أنفسنا فرضاً على ولاية الخرطوم، وأننا عشوائيون (كما تدعى) فأين معالجاتكم لهذه المشكلة؟ أين حلولكم العبقرية لها؟ فنحن مواطنون سودانيون يلزمكم الدستور بخدمتنا ومراعاة شئوننا والعمل على راحتنا، لكن من الواضح انكم من تنعمون بخدمة الشعب لكم وترفلون فلى حلل السعادة والبريق جراء ذلك، ونقول ان في كل كبد رطب أجر ولكن إلى حين!
*كان ولي الخرطوم الفريق عبدالرحيم محمد حسين.