الموقف الذي وجد فيه رئيس هيئة علماء السودان نفسه في برنامج شباب توك ،الذي سجلت حلقته الأخيرة في السودان. ربما لا يشبهه إلا موقف الممثلة رجاء الجداوي في مسرحية (الواد سيد الشغال). فكلاهما ، قد نزعا من موقعيهما الذين يضفيان عليهما جواً من المكانة الزائفة المصنوعة ، ليواجها نفسيهما عاريتين أمام مرآة الواقع المرير. وعاجزين من التعامل مع هذا الواقع؛لذا كان الخوف من اهتزاز صورتها الارستقراطية باضطرارها لزيارة ابنتها المتزوجة من الشغال المحلل في الحواري ، يجعلها تصرخ في كل موقف:( يا شماتة أبله ظاظا فيَّ !!).
وقد وجد الشيخ نفسه، مع فارق الألقاب، مع ناشطات وأسلوب برنامج لم تعتد خياشيمه على التنفس فيه. فظهر في حالة يرثى لها من العجز عن مجاراة مواجهيه، إلى درجة أن الحنق كان يكاد يخنق المشاهدين من الشباب، الذين هم على نفس ضفته مع فارق تأهيل النفس بينهم.
الصورة الزائفة المنفوخة، رسمها الإسلام السياسي وسلطة رجال الدين. فحاجة الحكام إلى شرعنة وجودهم وحكمهم بالدين بذلت له ما يجعل قوله الفصل . وما عليه إن احتج القوم ، إلا أن يقول ، هذا كلام الله والرسول . فيأمر فيطاع ، ويفتي ولا يراجع. ويحفظُ مكانته بما استُحفظ من التراث الديني . أما في وسائل الإعلام ، فيصبر عليه حتى يستكمل المقدمات الطويلة من البسملة والحمدلة والحوقلة وغيرها. ليقول إفادة تقدم في دقيقة ، في عشر أضعافها.لذا ، بدا كمن يلعب ( البلي) في طاولة تنس للمحترفين.الصورة الوقورة التي يؤطر داخلها، ضاعت عندما قال لناشطة ما عنى السياق ( أنت هكذا جاهزة للتحرش !!؟) ولم يكن يتوقع أن يكون الرد سريعاً ( يعني كدة أنت عندك رغبة تتحرش بي ؟).
بغض النظر عن سلامة الرد ، فقد كانت بداية اهتزاز الصورة ، وكسر حاجز القداسة المصطنعة . فتوالت عليه الضربات السريعة . وهو يلجأ إلى التشكيك بالمصادر ، واتهامها دون دليل ولا كتاب منير ، بالعداء للسودان.ويطلب الوقت الإضافي. نعم ، كان في اختياره خطأُ جسيم ، لكن له فائدة عظيمة ، في إظهار مدى عجز المؤسسة الدينية المُمكنة، عن الإجابة عن أسئلة العصر. ما هزم في الحلقة ، بالقطع لم يكن الدين . لكن ما هزم ،كان التكلس والكسل الذهني المصاحب لتخمة الموقع. وهنالك شباب ، كانوا أقدر على التعاطي مع الطرح المضاد.
ولم يكن غريباً محاولته الشبيهة بصمة الأوراك بعد إحداث ، باصداره بياناً يوضح فيه ملابسات مشاركته ، وهذا حقه لتلافي شماتة ابله ظاظا فيه !! لكن اللافت ، أنه استعان في البيان بما افتقده في واقع الحلقة . ليعود للسلطة ، لتأتمر الجهات كلها بأمره. فاقرأ يا رعاك الله هذه النقاط :
- أن تضبط وزارة الإعلام نشاط القنوات التي تشوه صورة البلاد !!
- إنتباه القنوات السودانية لما (يحاك) ضد البلاد ولا تتعاون مع الذين يأتون للبلاد بقصد التشويه
- انتباه الشباب وخاصة الفتيات لما يراد لهم من إنفلات
- اجتهاد العلماء والمربين والمسئولين في تحصين الشباب
لكن كل ذلك ، لن يعيد ثبات الصورة التي اهتزت.
أما الجانب الأهم في تقديري ، فقد كان في شراسة المواجهة التي لا تعرف الحدود من الشباب المشارك . والذي يعبر عن مدى الغضب الذي يعتمل في دواخله تجاه السلطة بوجهيها السياسي والديني.وهو ما ينتظر النظام ورموزه السياسية والدينية في الفترة القادمة.