شهدت الايام القليلة الماضية عودة نحو 200 من الكوادر المنشقة إلى حزب الأمة القومي، وكانوا قد انسلخوا عنه قبل نحو (١٦)عاماً، بعد أن فشلت على ما يبدو فكرة الإصلاح والتجديد، التي خرجوا بها لجملة أسباب وعوامل يحمّل بعض مراقبين الحزب الحاكم جزءاً منها من خلال تغذيته الأطماع الشخصية بين عناصرها. وعلى الرغم من تشكك بعض المتابعين في حجم تأثير عودة هذا العدد القليل من الكوادر الي الأمة القومي علي المشهد، الا أن بعضاً آخر يرفض الإنتقاص من قيمة هذه الخطوة.
في هذا الإطار كان هذا الحوار مع الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المهتم بشؤون أحزاب الأمة الجميل الفاضل، وراجعت معه اوراق عودة قيادات حزب الأمة المنشقة إلى الحزب (الأم )، وما وراء ذلك، وما سيترتب علي تلك العودة من أوضاع.
* بعد عودة 200 من الكوادر المنشقة إلى حزب الامة القومي يعد ١٦عاماً … ماذا تقول عن تجربة “الإصلاح والتجديد”؟
– إن تجربة الإصلاح والتجديد كان حصادها مراً للغاية، فقد خرج كيانها الحزبي إلي الوجود بولادة قيصرية وبطلق صناعي، قبل أن ينقسم إلى جيوب صغيرة، تفرق دمه لاحقاً بين قيادات مناطقية، انحسر عنها رداء القومية، فتلفحت بحمية الجهة تارة وبالقبيلة تارة أخري، بل لجأ بعضهم الى نسج تحالفات تكتكيه للحفاظ على مصالح ذاتية ضيقة لأفراد ومجموعات صغيرة تدور حول رمز فرضته الحاجة إلى تبرير مظهر الوجود والاستمرار على هامش سلطة لا تسمن ولا تغني من جوع.
* مع ان من خرجوا .. فعلوا ذلك تحت شعار كبير براق هو “الإصلاح والتجديد”؟
– ان أول درس يمكن الخروج به من مثل هذه التجربة التي اقل ماتوصف به أنها قاسية، هو أنك لن تغرد جيداً خارج سربك مهما امتلكت من طموح وقدرة وجراة، وان فرعك لن ينمو بأي حال من الأحوال تفي مناخ مختلف وتربة مغايرة، وهذا يؤكد بالطبع صحة المثل الذي يقول “البطيخه بتربي في عرقها فقط ” .
* لكن فشل الإصلاح والتجديد عزاه بعض المتابعين وفق نظرية المؤامرة إلى الحزب الحاكم الذي سعى إلى تشتيت شمل هذا الحزب بتشجيع الإنقسام داخله؟
– بالطبع ما كان ينبغي أن يكون مثل ذلك المسلك مفاجئاً لأحد فقد بدأ المؤتمر الوطني بتفخيخ مجموعة الإصلاح والتجديد باكراً جداً، بل قبل تنفيذ اتفاق الشراكة الذي مُنح الحزب بموجبه على ما اذكر 8 مناصب ليس من بينها منصب والي نهر النيل، الذي قيل إنه منح لعبدالله مسار بصفته الشخصية، وفي رأيي أن الحزب الحاكم نجح بذلك في تغذية وتنمية الطموحات والمطامع الشخصية لقادة هذه المجموعة على حساب مصلحتهم الجماعية ككتلة ذات اهداف يفترض انها تتجاوز مصالح اشخاصهم بالضرورة، إلا أن ذلك لا يعني تعليق كامل المسؤولية فيما جري للمجموعة على شماعة المؤتمر الوطني، لان هذا غير عادل فالحقيقة تجري على قول القس مارتن لوثر كينج الذي يقول “إن احداً لن يستطيع أن يمتطي ظهرك لو انه لم يجدك منحنياً أصلا”.
* يقول بعضهم أن عودة هذا العدد القليل من الكوادر الى حزب الأمة القومي مؤخراً لا يكفي ولا يصلح دليلا ًعلى حدوث تحول كبير في مواقف المنشقين الذين عكسوا صورة قاتمة لواقعهم الراهن؟
– نعم عودة هذا الفوج ليست دليلاً قاطعاً على حدوث مثل هذا التحول الحاسم في مواقف المنسلخين في عام ٢٠٠٢م، إلا أن ذلك لا يقدح أو يقلل من قيمة هذه الخطوة بحسبان أنها ذات دلالات رمزية كبيرة تعبر عن موقف يتجاوز صورتها المحدودة، فمثل هذه الخطوات الصادقة لا يجوز قياسها بالكم والحجم فحسب، وأي قياس يجري لخطوة كهذه على أساس كمي وعددي يكون قياساً ظالماً، فقرار العودة إلى حزب مثل الأمة القومي الذي يمثل حالياً رأس رمح المعارضة في الداخل والخارج، يعني بالضرورة الانتقال مباشرة من خانة تأييد النظام أو التعايش معه علي الأقل الى خانة المعارضة الصريحة له، بكل ما يترتب على ذلك من تبعات وملاحقات ومضايقات وحرمان.
لكن قرار العودة إلى الحزب الأم مع أنه الخيار الوحيد الصحيح الآن، إلا أنه يظل القرار الصعب الذي ينطوي على قدر من المجازفة بامتيازات ومصالح صغيره لازال يصعب على بعضهم التضحية بها في ظل واقع معقد للغاية بل وملبد بغيوم كثيفة تكفي لحجب الرؤية عن صحة هذا الخيار.
* هل يحدث ذلك لأن الانقاذ أتاحت للمنسلخين أوضاعاً جيدة؟
– هذا المتاح لا يعدو أن يكون مجرد سراب وزيف سلطة، غير أن مفارقته تبدو على بؤسه وعلاته وهامشيته عند بعضهم غير ممكنة ان لم تكن مستحيلة.
* إذن تتعدد الاسباب وتظل النتيجة واحدة؟
– ان مثل هذه القرارات الصعبة لا يتخذها سوى قلة من نساء ورجال أقوياء حقاً، متصالحون مع أنفسهم، قادرون على الاعتراف بأخطائهم، وعلى التحرر من أسرها من خلال العمل بجدية لتصحيحها، ثم بالاستعداد لتحمل نتائجها وتبعاتها أياً ما تكون في النهاية، ولهذا أرى أن هذه الخطوة الجريئة التي ابتدرها 200 شاب وشابة بقيادة الرجل الصادق الحبيب عبد الجليل الباشا خطوة جديرة بالإحترام والتقدير، وأتصور انها قد فتحت باباً للعودة لن يغلق أبداً، فالأنصار بطبعهم أناجيلهم في صدورهم تلهمّهم الصواب مهما كان ظلام الليل البهيم حالكاً، بل إنها خطوة سيكون لها ما بعدها لا محالة، في وقت تشهد فيه البلاد طلائع ومقدمات تحول كبير مرتقب.
- حوار أجرته: حنان عيسى
- يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الوطن”