لم يعُد للتعليم، ولا للصحة، من ذكرٍ في تلك البلاد إلا القليل..ولم يتبقَّ ثمة ما يُستَرُ به عُريُ (الجهلِ) والمرض في تلك الأصقاع المنسية..
وتُرِك الناسُ هناك لأقدارهم، إلا يسيرا، لا عن فقرٍ، ولا عن بأساء، وإنما هو قصورُ الهمم والرؤي، وإدقاعُ المشيئاتِ البشرية، ونقصُ القادرين علي التمام !!
وحين توقف حالُ التعليم في تلك المحلية (القوز)، ووصل إلي ما يقاربُ السقوط.. وحين إفترش الطلابُ الأرض، وجلسوا علي الحجارة، وألتحفوا ظلالَ الأشجار، لم يكن أمام منادي القوم إلا أن يجأرَ باللأواء ويقول:
(تعلمون أيها السادة ما آل إليه حالُ الصحة والتعليم في بلادنا عموماً، وفي مناطقنا في محلية الدبيبات، وما جاورها بشكلٍ خاص..لقد إنهار التعليمُ عندنا بشكلٍ شبهِ كامل، ونعتقدُ أنَّ الفاقد التربوي في مناطقنا هو من أعلي المعدلات في الولاية، إن لم يكن في طولِ البلاد وعرضِها..
ولم يعُد ثمة ما يُنتظر من الدولة بأكثرَ مما تفعل، ومن جانبٍٍ آخر فمن غير اللائق أن نقف مكتوفي الأيدي، مع القدرةِ علي الفعل، ونحن نري أبناءنا، وبناتنا، يتسربون من بين أيدينا، وتتخطفهم مصائرُ الضياع والفشل..)
ويمضي مناديهم قائلاً:
(دعونا نبدأ بما يمكن عمله.. دعونا نبدأ بإعمار -ولو بعضِ مسقوفاتِ مدارسنا العريقة- التي بدأت منها الشراراتُ الأولي للتعليم في المنطقة كلِّها..مدارسِ الدبيبات (الأولية) والتي أنبثق منها نورُ المعرفة، والتعليم منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي)..
ويقصدُ المنادي بذلك أن شمعةً كانت قد إستنارت هناك، بتلك الأنحاء، وقتَ كانت (مدرسةً صُغري) بقرية الحاجز، ورُفِّعت من بعد، لتُصبح (مدرسة الدبيبات الأولية) وأُفتتحت رسمياً ربما العام ١٩٥٧م..
تلك بحق كانت قصةُ السقوط الداوي من الأعالي إلي الأسافل..بل هي قصة الحسرة في ثوب المصيبة المحزنة، عندما يكون الحالُ قبل ستين سنةً هو الرفاه، والدعة، والكمالُ المبتغي، مقارناً بإنهيارٍ، متكامل الأوصاف، بعد نصف قرنٍ من الزمانِ ويزيد !!
لا بأس..
كانوا قد تنادَوا قبلاً، فصانوا كلّ (مدرسة طيبة) المجاورة بما يقارب المليار..ثم أنداحوا بعدها وفوراً إلي (مدرسة الحاجز الأساسية للبنات)، فأشادوا أربعةَ فصولٍ كاملات، وبطرفهم الآن تعهدان بفصلين، دراسيين مكتملين، كاملين، حين تنقشعُ سحابةُ الخريف، وقد إنقشعت.. وإذن، والشهيةُ مفتوحة، فما الذي يمنعُ من تدفق الخير، إلي دبيبات الخير! فنادي مناديهم نفسُه، وبالكوكبة، الشابة، المستنيرةِ ذاتِها، (أنْ حيَّ إلي الإعمار) بصيحات النفير، العاليات، الداويات، أعلاه، نحو مدينة الدبيبات..
وهذه قصةٌ تتكاملُ فصولها علي عجلٍ الآن، وأنشودةٌ يُستَكملُ لحنُها، وصيحةٌ بالغة، بإذن الله، في وادي اللا فعل الحالك..
مضي علي ﴿نفير إعمار مدرسة الدبيبات الأولية الأم﴾ أقل من أيامٍ ثلاث، وها هي زغرودةُ (الكنداكة الكنانية) تعلنُ أن سقفاً شارف علي المائتي مليون مما يعدون، قد بُلِغ ويزيد، وما زال القومُ يتنادون إلي نفيرِهم، خفافاً وهم يتدافعون بالمناكبِ، والأكتاف، ويبلِّغُ الحاضرُ منهمُ الغائب!!
هو جهدُ شبابِ الخير، وجهدُ الإستنفار، وجهد الشعب المستجيش، بلا رسميات، وبلا حكومة، وبلا حدود !!
وحدُهم، السماءُ، والشمسُ قبلتُهم، والأرضُ مرتكزُهم، ولن يتوقفَ الفعلُ حتي يُقضَي أمرٌ -بإذن الله- كان مفعولا..
بورك المسعي، وبركاتُ الله تتدفق، وتتري..ودونكم النجومُ الباذخات، وسلامٌ عليكم في الخالدين..