الإنقاذ هي أفشل نظام يعرفه السودانيون في تاريخهم، فيما أظن. ليس ذلك من باب المبالغة.
فبلد يملك من الموارد ما يملكه السودان، يستحيل أن يتردى إلى الدرك الأسفل في كل ناحية من نواحي الحياة، ليصبح إنسان أفريقيا المريض بلا منازع. فشلت الإنقاذ في كل موقف اتخذته.
بدأت عهدها بصيحات مدويّة عن تحرير جنوب السودان من التمرد وأسلمة أهله عنوة. كان ذلك في مطلع تسعينيات القرن الماضي. دقت طبول الحرب، وصدحت المارشالات العسكرية في «ساحات الفداء».
انتهى المشهد في ٢٠١١م بانفصال الجنوب، بعد أن آثر الابتعاد من لظى العنصرية البغيضة والإقصاء المذموم. وبذهابه ذهبت موارد نفطية طائلة.
دبروا اغتيال الرئيس المصري في أديس أبابا. ولما فشل تدبيرهم، دخلت القوات المصرية إلى مثلث شلاتين وحلايب واحتلته، ولا تزال تحتله.
ارتكبت أبشع مجزرة للتطهير العرقي في دارفور، راح ضحيتها آلاف الأبرياء. انتهى المشهد بمطاردة رئيس البلد كما يطارد زعماء العصابات.
في الأثناء، كانت الإنقاذ تمارس سياسة التخدير الكامل بالوعود الكاذبة.
وعدونا أن سنأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، وانتهوا بخيبة أمل لا تصدق، إذ باعوا أراضي البلد للأجانب دون أي وخز من ضمير. وأصبح الدولار سيد الموقف، لأن أغلب احتياجاتنا تستورد من الخارج!
قالوا إن الأمر لله، لا للسلطة ولا للجاه. واستشرى الفساد إلى حد بشع ومرهق وقاتل. لم يقتصر الأمر على «القطط السمان»، فإلى جانبها هنالك تماسيح وضباع وغابة كاملة من حيوانات كاسرة كل همها أن تفترس ضحيتها بلا رحمة. ينهشون جسد بلد متمدد في غرفة انعاش تفتقر للعناية.
يتشدقون أن الأمر مجرد ابتلاء من الله!
هم يجهلون أن الابتلاء الحقيقي هو حكمهم الفاشل، غير القابل للإصلاح أبداً.
من حسن الحظ أن الشعب الغلبان يهب من سُباته. يقف عملاقاً ليكسر طوق الذل المضروب عليه ويزلزل قصور شيدها الفساد ويحرسها الدجل والمتاجرة المريبة بالدين.
من حسن الحظ أيضاً أن العملاق يمني النفس بانتهاء هذه المهزلة في القريب.