أكتب هذه المرئيات قبل أن تتأثر بما سأقرا لاحقا من تحليلات بل وحتي بيانات تعقب هذا البيان الاول الذي أذيع حوالي الثامنة صباحا بتوقيتنا واشنطن ، أي قبل نصف ساعة فقط !!!ملاحظاتي :
١ استمرار الانتظار لثمانية ساعات قبل ظهور إبن عوف ( من الان فصاعدا سأسميه ABA علي وزن MBS 😂) يؤكد شدة الاختلاف بين مكونات القوات المسلحة وحالة الشد والجذب التي سادت بين المجتمعين للتوصل للصيغة التي خرج بها البيان .
٢علي غير عادة الانقلابات العسكرية ، حيث يكون المطبخ مقتصر علي هيئة الجيش العسكرية فقط، فان التخطيط لهذا الإفراز الهزيل جاء من داخل مطبخ عمر البشير نفسه ممثلا في لجنته الامنية العليا التي تضم الشرطة وجهاز الأمن ونواب الرئيس وغيرهم ممن رأينا صورة اجتماعهم مع البشير يوم السبت الماضي .اذا تأملت تلك الصورة وقرأت حركات وتعابير الاجساد أو حركة الأيدي والأرجل ( طأطأة ABA لرأسه ، شرود قوش البائن وتحديقه في الفراغ ، إبتسامة عبدالرحمن الصادق بلا سبب ألخ) لخلصت لنتيجة واحدة وهي ان كل هؤلاء هم من ذلك الرجل ، فالرئيس المتفرشخ أمامهم بنياشينه كان مثل ست الظار في مجلسها ، منتفخا ومزهواً بعظمة ذاته وتأدب رواد مجلسه أمامه . فكل المجتمعين في تلك الصورة كانوا اكثر الأصوات التي دعمته بقوة عند كل ظهور علني أو إعلامي لها قبل إذاعة بيان اليوم وربما يكون الاستثناء ، لدرجة، هو حميدتي الصريح جدا و الذي اتخذ موقفا مبكرا عند اندلاع الثورة رأي الناس فيه كثير من الإيجابيات ، من جهة ، بيد انه ، من الجهة المقابلة ، أرعب المنظومة الامنية والنظام فأرسلوا له الصوارمي لينطق بدلا عنه حتي يكف عن الكلام المباح وقيدوا ظهوره الإعلامي
ملاحظاتي وأختصرها مذكرا بأنها تمثل تحليلا اوليا للبيان الذي سمعته قبل قليل :
٣ خلا البيان من أي إشارة للتفاوض مع تجمع المهنيين حول ملامح الفترة الانتقالية وفي هذا تجاوز غير مقبول لنضالات الشباب وصمودهم الجسور وتجاوز لهم لا أجد وصفا له سوي انه ” بلادة سياسية ” قاتلة سوف تسرع ، في تقديري ، في خلق محور قوي بامكانه حشد قوي المهنيين وجماهير الشعب لاسقاط حكومة ABA بأسرع مما يتصور الناس . هذا طبعا اذا رأي التجمع ان هذا البيان لا يلبي ولا أدني الحدود من مطالب الثورة .
٤ إستمرار عمل الوزارات بالوكلاء شئ متعارف عليه عندما يجري تعديل وزاري لكن البيان تعمد عدم الإشارة الي ترتيبات الجهاز التنفيذي بل وأعلن صراحة الإبقاء علي كل مكونات السلطة القضائية والمحكمة الدستورية والجهاز الدبلوماسي دون إشارة الي ملامح تغيير تلبي شعارات الشارع وتطلعاته في بسط العدالة والحريات او محاربة الفساد ،وبرأيي قان في ذلك خيانة بائنة لأحلام الجماهير .
٤ في تقديري ان أسوأ فقرات الخطاب وأكثرها غيظا هي لومه للأجهزة الامنية ثم عودته للإشادة بمهنيتها وثالثة الآثافي هي إعتذاره للضحايا دون ان ينعم الله عليه بالنطق بكلمة ” تحقيق ” في هذه الأرواح التي أزهقت ! ( وهنا تجد اللجنة الأمنية العليا لزاماً عليها أن تعتذر عن ما وقع من خسائر في الأنفس فتترحم علي الشهداء وتتمني الشفاء للجرحي والمصابين سواء من المواطنين أو الأجهزة الأمنية ، إلا أن كل منسوبي تلك المنظومة الأمنية حرصت كل الحرص علي إدارة الأزمة بمهنية وكفاءة وإحترافية رغم بعض السقطات .)
٥ الخطاب حاول ، بحياء ومواربة ، ان يظهر أن العهد الجديد يختلف عن الماضي لكن إنطبق عليه المثل الحكيم الذي ينطق به أهلنا في غرب السودان عند حديثهم عن استحالة آداء وظيفتين متناقضتين في آن واحد كأن تأكل وتنطق ، في إشارة لاستحالة قيام المستفيد الذي يزدر حلقومه من عطايا معطٍ برفع الصوت الناقد له . فالمثل يقول ما معناه ( الثعبان الذي في فمه جراده ، لن يعض ) ! ويالها من حكمة ناضجة تجلت في هذا البيان البئيس الذي لم يجد حتي شتيمة لائقة ينعي بها ثلاثين عاما من البطش والتقتيل والتعذيب والدمار والنهب لمقدرات بلادنا سوي قوله ( النظام الذي ظل يردد الاعترافات المضللة والوعود الكاذبة ). للحق ، في تلك اللحظة انشق لساني عن طاعتي وشوش علي آذاني الاستماع للحظات فامزقت أستار صمتي بسخرية ( لا ياخ ، ماليهو حق والله ! ) !
٦ ختاما ، لقد دخل هذا البيان التأريخ ليس لانه يشابه تعيين مبارك لعمر سليمان ، فهنا مبارك يعين مبارك ، وليس لانه يماثل مقولة الترابي للبشير ” إذهب للقصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا ” لان ABA اليوم أصبح بئيسا — بلا قصر أو سجن !
أقول دخل التأريخ السياسي السوداني كثالث أسوأ صياغة لبيان فقد هدفه فضرب جدار النقد . وأكاد أن أجزم أن الأيادي القانونية كانت بعيدة عن الصياغة وحتي من أرسو عليه هذا العطاء ، لم يفتح الله عليه بقراءة معرفية لما يكتبه الناس في خطابات المراحل المفصلية للأمم فلو كلف من صاغ البيان أنفسهم واستعانوا بخدمات قوقل البحثية لخطابات رؤساء آخرين ، لكتبوا أحسن ماقرأ هذا الرجل بدلا من ان يصبح بيانهم ثالث أسوأ بيان في تأريخ السودان من حيث المحتوي والمضمون . أسوأ بيان كان الذي أصدره القصر الجمهوري ايّام نميري في تحديدموقف السودان من اتفاقية كامب ديفيد حيث كان الإجماع العربي برفضها . بيان السودان إذا قرأته من قفاه ، أي خاتمته قبل مدخله ، لإستحسنته لكن لحكمة ما جاء مقلوبا فإنقلب علينا العرب جميعا وخسرنا كثيرا . البيان التعيس الاخر كان موقف البشير في قمة ١٩٩٠ وكلفتنا رداءة الصياغة والتصرفات اللاحقة اكثر من ١٠ سنوات من المعاناة بتصنيفنا ، من بلدان الضد ، بسبب حرص المصريين علي قلب الطاولة علي نظام البشير والاستفادة من غبائه وإدخاله في المصيدة !