يبدو لي أننا نشغل أنفسنا بما يعطل إنجاز مهام ثورتنا. المطلوب الآن بشكل عاجل هو تكوين أجهزة الحكم الإنتقالي بشكل عاجل حتى ندخل في فترة الحكم الإنتقالي لأنه بدون ذلك لن يحدث إنجاز لمهام الفترة الإنتقالية. دعونا من المطالبة بفصل زيد، أو عبيد، أو إلغاء هذا القانون أو ذاك، أو حل هذه المؤسسة أو تلك، ما يهمنا الآن هو تكوين أجهزة الحكم الإنتقالي، والتي يترك لها إنجاز مهام المرحلة الإنتقالية بما يشمل تلك المطالب، وما يتعداها إلى إزالة كافة مظاهر الحكم السلطوي. هذه الأجهزة لن يتم تكوينها إلا بالتوافق على مبادئ دستورية تحكم الفترة الإنتقالية، يستحسن أن يتم إصدارها في شكل إعلان دستوري. هذا الإعلان الدستوري مطلوب منه أن يكمل ما جاء في بيان المجلس العسكري الأول الذي جمد العمل بدستور 2005 دون أن يحدد أحكاما دستورية تفصل شكل السلطات وكيفية ممارستها. وتحقيق ذلك لا يتطلب أحكام كثيرة، ليس فقط لقصر الفترة زمنياً، بل أيضاً لوجود إتفاق حول المطلوب تحقيقه من أجهزة الحكم. هذا لا يعني أن الفترة ستخلو من الإختلافات، ولكنها تعني أن تلك الخلافات لن تكون بالشدة أو الكثرة التي تحكم صراع الأضداد، لأننا نتحدث عن فترة توافقية.
المطلوب من الإعلان الدستوري أن يجمد الأحكام الواردة في دستور 2005 فيما عدا الباب الخاص بوثيقة الحقوق، وأن يضع أحكاما تفصل السلطة السيادية والتي يجب أن يتولاها المجلس العسكري بمسمى المجلس الرئاسي، تحسباً لما أستقر عليه العمل في المجتمع الدولي، والذي يقضي بعدم التعاون مع الأنظمة العسكرية. ويقوم المجلس العسكري بمسمى المجلس الرئاسي بأعمال رأس الدولة ، فيمارس مهام القائد الاعلي للقوات المسلحة،و إعتماد تعيين رئيس القضاء بعد اختياره بواسطة مجلس القضاء الاعلى، إعتماد سفراء السودان، وقبول اعتماد السفراء الاجانب لدي السودان، إعلان حالة الطواريْ وإعلان الحرب بتوصية من مجلس الوزراء، والتصديق علي القوانين الصادرة من الهيئة التشريعية. في حين يتولى مجلس الوزراء السلطة التنفيذية ويتم التوافق على تشكيل مجلس تشريعي من قوى التغيير.
عند اكتمال هذه المؤسسات تبدأ الفترة الاتنقالية التي تمتد لأربع سنوات يتم خلالها إنجاز المهام التالية:
أولا: التمهيد لإقامة حكم ديمقراطي تعددي لا مركزي، مؤسس على حقوق الإنسان، ومتفق مع المستوى الدولي. وذلك بإجراء إصلاح قانوني شامل، بإلغاء كافة الأحكام المقيدة للحريات في القوانين السائدة، وإبدالها بأحكام تبسط الحريات العامة والتي تشمل ولا تقتصر على، حرية الإعلام والصحافة و التعبير والتجمع والتنظيم. كما تؤسس للعدالة الإجتماعية والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات باختلاف أعراقهم وثقافاتهم.
ثانيا: تحقيق إستقلال القضاء عن الجهاز التنفيذي وإخضاع قوات الضبط له، واستقلال الخدمة المدنية، والقوات النظامية عن كافة التنظيمات السياسية وبعدهما عن كافة أشكال النشاط الحزبي.
ثالثا: وقف الحروب في مناطق النزاع، وإزالة المرارات التي خلفتها تلك الحروب عن طريق إستخدام آلية الحقيقة والمصالحة، وإشاعة ثقافة السلام، والتي تشمل القضاء على كافة أشكال التمييز العرقي والثقافي والديني، والسماح للثقافات المحلية بالتطور والإزدهار. كما وتضع الأسس لإقامة أجهزة حكم محلي مستقلة عن المركز، ومدها بسلطة إستخدام الموارد المحلية. كذلك تقوم الحكومة المؤقتة بوضع الخطط لتنمية إقتصادية متوازنة في سائر أنحاء القطر، مع إستخدام آلية التمييز الإيجابي بالتوسع في المشاريع الإقتصادية في تلك المناطق.
رابعا: إجراء الإصلاحات المطلوبة على السياسة الخارجية لتحقيق أعلى درجة من التعاون مع المجتمع الدولي والبعد عن العداءات غير المبررة مع دول الجوار الإقليمي.
خامسا: إصلاح الوضع الإقتصادي باستقطاب الدعم المالي الخارجي لتحسين البنية الاقتصادية التحتية، وإصدار التشريعات وإقامة الأجهزة الرقابية الخاصة بمحاربة الفساد. بالإضافة للعمل مع المجتمع الدولي للإعفاء من القروض، ومنح التمويل اللازم لما يتطلبه الإصلاح الإقتصادي. والعناية بالإصلاحات القانونية التي تهدف لإصلاح الهياكل المالية والإقتصادية وعلى رأسها وقف هيمنة الجهاز التنفيذي على البنك المركزي
سادسا: رغم أن صياغة الدستور القادم ليس من مهام الفترة الانتقالية إلا أنه من المهم الاتفاق خلالها على المبادئ فوق الدستورية التي يخضع لها الدستور الدائم ويتم تضمينها في وثيقة تضمن أن تتم صياغة الدستور بحيث يلبي أشواق الأغلبية دون أن يثير مخاوف الأقلية، وذلك بمنع تضمين الدستور القادم أي أحكام تهدر أيا من الحقوق الأساسية، أو تكرس التمييز بين المواطنين ما لم يهدف ذلك التمييز إلى رفع الظلامات عن الفئات الأضعف في المجتمع وفقط لحين تحقيق ذلك الهدف.
nabiladib@hotmail.com