الخرطوم – التحرير:
أكدت عضوة البرلمان السابقة والناشطة السياسية والمهتمة بقضية دارفور مريم عبدالرحمن تكس أن الحكومة والمجتمع المدني والدكتور التجاني السيسي رئيس السلطة الإقليمية السابق والموقع على وثيقة الدوحة لسلام دارفور فشلوا في وضع أولوية لكيفية إلحاق غير الموقعين للانضمام إلى السلام، ورأت أن ذلك قصور، وأشارت في حوار مع (التحرير) إلى أنها تحدثت في ورشة بالولايات المتحدة الأمريكية، وقالت فيها إن التجاني السيسي يرغب فقط في التنفيذ، مع أن واحدة من مهامه الأساسية قبل البدء في التنفيذ هي كيف يلحق غير الموقعين؛ وأشارت إلى أنه كان الأجدى قبل أن نبدأ في تنفيذ الاتفاقية أن نشرع في جعل الحركات غير الموقعة جزءاً من الاتفاقية، فإلى تفاصيل الحوار:
* صعوبات تواجه إمكانية إحراز تقدم في العملية السلمية بدارفور، فالحكومة تشدد على أن اتفاقية الدوحة هي المرجعية لأي عملية تفاوضية، بينما الحركات المسلحة تتحفظ على الدوحة، كيف يمكن تجاوز هذه المعضلة؟
– المشكلة في اتفاقية الدوحة نفسها، وليس في مضمون الاتفاقية، ولا في الوثيقة والحقوق، المشكلة في الجانب الإجرائي والمهنجي في الاتفاقية؛ فالذين صمموها عقدوا ورشتين مغلقتين قبل المباحثات، وقبل أن ياتوا بالدكتورالتجاني السيسي، والحكومة السودانية لم تكن حضوراً فيهما، وكان الحضور فيهما المجتمع الدولي على أساس توحيد إرادة المجتمع الدولي تجاه دارفور، والحركات؛ لأن وجود حركات في ليبيا، وحركات في تشاد، وحركات في مصر وأخرى في اثيوبيا واريتريا؛ ( وكل زول بدعم زولو، أمريكا مع هؤلاء وهؤلاء مع أولئك) هذا في حد ذاته كان جزءاً من المعوقات، وكان المفروض أن تكون الوثيقة المقبلة هي المرجعية النهائية للحركات.
* وماذا حدث بعد ذلك ؟
– عقب ذلك بدأنا في كيفية تجميع الحركات لكي تكون لديها زعامة واحدة، وهذا الأمر برمته انتهى، والمفاوضات كذلك انتهت، وعقدت ورشة في الولايات المتحدة الأمريكية عقب توقيع اتفاقية الدوحة في معهد السلام الأمريكي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، وكان الغرض من الورشة هو كيفية انضمام الحركات غير الموقعة للسلام، حضرالورشة ممثل لرئيس حركة تحريرالسودان عبد الواحد محمد نور، وحضرها رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، وجزء من المجتمع المدني الدارفوري، وجزء من المجتمع الدولي، والمنظمات التي تساند قضية دارفور، والجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وكندا، وأمريكا، وقطر، وكل الأطراف المهتمة بالقضية الدارفورية، وفي تلك الورشة غابت عملية كيفية انضمام هذه الحركات للعملية السلمية، ومن وجهة نظري أنا إرأيت أن ذلك قصور؛ لأن الدكتور التجاني السيسي كان يرغب فقط في تنفيذ مطلوبات الاتفاقية، مع أن واحدة من مهامه الأساسية قبل البدء في التنفيذ هي كيف يمكن أن يلحق غير الموقعين، وما غاب في تلك اللحظة هو أننا في المجتمع المدني الدارفوري والحكومة والدكتور التجاني السيسي بوصفه طرفاً موقعاً على الوثيقة فشلنا أن نضع أولوية لكيف نحمل غيرالموقعين على الانضمام للسلام، وهذا يشبه ما حدث في قصة الجنوب، أعطيناهم الدولة، ثم بعد ذلك بدأنا نفتش في الحلول؛ وكان الأجدى قبل أن نبدأ في التنفيذ أن نشرع في كيفية دفع الحركات غير الموقعة لكي تكون جزءاً من الاتفاقية.
* وماذا يعني هذا؟
– هذا يعني أن قضية إلحاق غير الموقعين لم تكن أولوية، ولهذا وفي اللحظة التي كانت فيها اتفاقية الدوحة قد وقعت بحسبانها الضامنة لحقوق دارفور، كانت هذه الحركات قد أصبحت جزءً من كاودا، والمعروف أن كاودا خارج دارفور، وأصبح الاهتمام في حد ذاته خارج المنطقة، وخارج الاتفاقية، والأمر الآخر أن الدكتور التجاني السيسي وقع الاتفاقية، بينما هنالك آخرون غير موقعين، ولم ينضموا للسلام؛ فكيف سيحدث السلام والتنمية، لهذا كان الأجدى مثلما ضغطوا على أهل المصلحة أن يضغطوا على الذين لم يوقعوا، على أساس قفل أي باب للتفاوض باسم دارفور مرة أخرى، حتى الحكومة كان من المفترض أن تكون من أولوياتها قبل تعيين السلطة الإقليمية لدارفور أن يشهد أهل المصلحة أن القضية أصبح لها زمن محدد، وأن هذه الحركات لابد أن تأتي للسلام، وإلا فعليهم عدم الحديث باسم دارفور، ولأن هذا لم يحدث لم تُسد هذه الثغرة.
* على الرغم من وقف العدائيات لفترة من الزمن إلا أن هناك من يرى أن المعارك الاخيرة عمقت الخلاف بين الحكومة والحركات المسلحة، ما مدى صحة هذه الفرضية؟
– أعتقد أن الحكومة والحركات ليسوا هم الفاعل الأساسي، فالظلال الإقليمية كانت واضحة في المعارك التي حدثت مؤخراً، وأي شخص لديه إحساس عميق ومتابع لهذا الصراع يدرك أن الرياح ستهب من الإقليم، وواضح أن الطرفين لم يصلا للوئام الذي يجعلهما يتجنبان التأثيرالاقليمي في إتفاقهم أو جديتهم، وهم يلعبون (تاكتيك) في بيئة سيئة جداً، وكان من الواضح ان الموضوع سيفلت منهم، وفي تقديري أنهما لم يكونا جادين؛ لأن كل طرف كان يستخدم الآخر لتصفية حسابات إقليمية.
* هنالك جهود فردية تقوم بها بعض الجهات في مجال إعادة الإعمار كمنظمة الملم دارفور التي يرأسها الإعلامي لقمان أحمد، ما مدى فاعلية مثل تلك الجهود للمساعدة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب؟
– الحرب مستمرة، وكل يوم وكل مرة الأسماء تتجدد، لكن إرادة الجماهير هي الغالبة، وعلى سبيل المثال: منطقة شرق الجبل أو المناطق التي في جبل مرة الآن عادت فيها الأسواق إلى نشاطها؛ لإحساس المواطنين بأنهم مسؤولون عن إعادة الحياة، لكن الحديث عن الإعمار من ناحية المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة بتوفير الصحة والتعليم والطرق هذا جانب ومسار آخر؛ وهنالك مسار مسؤول عنه المجتمع نفسه، وهذا المسار ماضٍ في نشاط الأسواق، والمواطنون أصبحوا يحمون حاجاتهم، حتى إذا كانوا متصارعين من قبل ذلك، إلا أنهم عملوا على حماية الأسواق.
والأسواق في دارفور مهمة جداً، فالأسواق الأسبوعية يأتي إليها المواطنون لتبادل البضاعة والمنافع؛ لأن المنطقة أصلاً منطقة هشة، فالمجتمع كان يسيّر حياته، وعاد إلى هذا الأمر بطريقة أو بأخرى في عدة مناطق، لكن مع وجود السلاح لا تظهر هذه الأنشطة لأن التفلتات والاحداث تغطي عليها، وأنا قبل أسبوع كنت أتحدث مع مجموعة من أبناء دارفور من أجل إعادة منبر أبناء دارفور للحواروالتعايش السلمي، ونحن عندما أنشأنا هذا المنبر وجدنا أنه قدم خدمة كبيرة جداً، وقد أسسناه بـ 25 فرداً، وترأسه الفريق إبراهيم سليمان.
* كيف سار عمل المنبر في ذلك الوقت؟
– في ذلك الوقت كان هنالك عدم اعتراف بالقضية ذاتها، لكن مع ذلك نجحنا واتفقنا على أن هنالك معادلات وفراغات لا بد أن تملأ ،وأن هنالك غبناً تاريخياً، فضلاً عن ملفات السلطة والثروة والترتيبات الأمنية، وهي في الخرطوم؛ تحدثنا حولها وعملنا لها دعماً، والحكومة من جانبها رضيت وتابعت الملفات، وفي ذلك الوقت ساهم صوتنا في تحجيم النعرة العنصرية، وما كان يرغب به الإعلام الغربي لم يعد هو الشيء الرسمي، ونحتنا شيئاً رسمياً من أجل مداواة الجراح التاريخية والوطنية، التي عايشها السودان بأكمله، وإذا كان حمل السلاح في دارفور هو جزء من المطالب؛ قلنا إننا سنعمل على جلب الحلول حيال المفات التي تم التفاوض حولها، والآن أصبحت هنالك حتمية وضرورة كبيرة جداً من أجل إعادة المنبر؛ لأن أبناء دارفور أصبحوا مساهمين في الأزمة؛ كالتوترات وعدم الاستفادة من الإرادة الدولية، وعدم الاستفادة من الحوار الداخلي، وهذه الأشياء جميعها ما يعطل عدم الاستفادة منها نحن أبناء دارفور أنفسنا.
* ماذا تقصدين من حديثك أن أبناء دارفور ساهموا في الأزمة؟
– ما أقصده هو وجوب وجود جهة محورية مركزية في دارفور؛ حتى لا تكون هنالك إدعاءات كثيرة ليست وطنية، ومن أجل أن تكون هنالك خطوط حمراء يجب ألا يتخطاها أبناء دارفور في علاقتهم بالبلاد، وفي الإستجابة لحال الضحايا والنزيف الموجود، ولا يتخطوها وهم يخططون للمستقبل مع بعضهم بعضاً، حتى لا تؤثر الغبائن التي حدثت في الأجيال المقبلة، لذلك نحن في حاجة ماسة إلى وثيقة شرف، وسلطة أخلاق عالية جداً.
* وهل تحتاجون إلى كيان يجتمع عليه الجميع؟
– لا نقول كياناً؛ لأن ذكر كلمة كيان تبدأ معها الاستقطابات، وحمى من سيأتي فيه، نحن نحتاج إلى فكرة، ومن ثم ندع هذه الفكرة لكي تقوم بتهدئة الأجواء، وأن نكون مثل أي اقليم بالبلاد، ولا نريد استقطابات خارج التنظيمات التي ينتمي إليها الناس أصلاً، نريد فكرة تسري في الناس، من يقوم بعمل هذه الفكرة هو نحن المجتمع المدني والإدارة الأهلية لنتوافق عليها ونفرضها.