الخرطوم – التحرير:
على الرغم من حديث الحكومة المتكرر عن إشاعة الحريات، ومنها حرية التعبير والنشر على ضوء ما تم من توصيات بمؤتمر الحوار الوطني، إلا أن المصادرات المتكررة والإجراءات التعسفية ضد الصحافة والصحافيين مازالت مستمرة، آخرها مصادرة السلطات الأمنية لصحيفة آخر لحظة بعد الطباعة لثلاثة أيام متتالية (17، 19،18يونيو 2017م)، وهو ما فتح المجال واسعاً لجملة من التساؤلات حيال مسألة الحريات التي كثيراً ما تناقلتها الآلة الإعلامية الحكومية إبان مؤتمر الحوار الوطني؛ الأمر الذي يؤكد أن كل ما دار من حديث عن بشريات بشأن الحريات الصحفية، وحرية النشر والتعبير خلال تلك الفترة، وما أعقبها، لم يكن إلا ذراً للرماد في عيون الصحافة والمشتغلين في الحقل الصحافي.
أخر لحظة…. زهير السراج
مسلسل المصادرات
ولعل أكبر المصادرات التي شهدتها الصحافة السودانية من السلطات، جاءت في 16 فبراير 2015م حينما قامت الأجهزة الأمنية بمصادرة 14 صحيفة يومية من المطابع، عقب اكتمال طباعتها، ولم توضح السلطات حينئذ أسباب تلك المصادرة، ووجدت تلك الخطوة التعسفية من السلطات الأمنية استنكاراً من الصحافيين، ونظمت مجموعات صحافية حينها وقفة أمام مجلس الصحافة والمطبوعات للتنديد بتلك الإجراءات التعسفية، التي تمارسها السلطات ضد الصحف.
وفي نهاية شهر ديسمبر من عام 2016م عبر الصحافيون السودانيون عن رفضهم المصادرات، التي نفذتها الأجهزة الأمنية ضد صحيفة الجريدة، ونفذ الصحافيون في 29 من الشهر ذاته وقفة احتجاجية أمام مجلس الصحافة، احتجاجاً على المصادرات المتواصلة التي قامت بها السلطات الأمنية ضد صحيفة “الجريدة”، وأوقفت كاتبين من كتابها هما الدكتور زهير السراج وعثمان شبونة عن الكتابة، وكانت الصحيفة تعرضت لمصادرات متواصلة بلغت 11 مصادرة في غضون شهر.
ولم يكد الصحافيون يفيقون من كارثة المصادرات المتواصلة التي لاحقت صحيفة الجريدة في ديسمبر 2016م، حتى تفاجأوا غضون الأيام القليلة الماضية بما تعرضت له صحيفة آخر لحظة من مصادرات لثلاثة أيام على التوالي ابتداءً من السبت وحتى (الإثنين19 يونيو) الذي استدعت فيه السلطات الأمنية رئيس تحرير الصحيفة عبد العظيم صالح، وحققت معه، وأبلغته برفع الحظر عن الصحيفة.
هذا غير المصادرات التي أشارت إليها المنظمة السودانية للحريات الصحفية في تقريرها السنوي، ونشير إلى بعض ما ذكرته المنظمة في تقريرها، ففي 15 مارس 2016م صادر جهاز الأمن عدد صحيفة السوداني، كما صادر في 27 من الشهر ذاته عددي صحيفتي الأيام والمستقلة؛ وفي يومي 12 و13 إبريل 2016م قام جهاز الأمن بمصادرة عدد صحيفة التغيير، وصادر صحيفة الصيحة يومي 17 و18 إبريل 2016م، كذلك صادر جهاز الأمن صحيفة آخر لحظة يومي 22 و25 من إبريل 2016م.
ممنوع من النشر
ولم تكن الإجراءات التعسفية التي تستخدمها الأجهزة الأمنية ضد الصحف تقتصر فقط على المصادرة، وإيقاف الصحافيين من الكتابة، يل امتدت هذه الإجراءات التعسفية لتشمل منع النشر في قضايا تحددها الأجهزة الأمنية، وبعضها يصل عبر المجلس القومي للصحافة، ففي مايو من العام 2014 تلقت الصحف أمراً بحظر النشر والتعليق في قضية وكيل وزارة العدل ضد صحيفة (الصيحة) التي نشرت تقارير امتلاك وكيل الوزارة مجموعة عقارات بالعاصمة السودانية الخرطوم يفوق سعرها الـ(30) مليار جنيه سوداني، إبان توليه منصب المدير العام للأراضي في السودان، كما تلقت الصحف في الفترة ذاتها أمراً بحظر النشر والتعليق في قضية الفساد والاختلاسات الشهيرة بمكتب والي ولاية الخرطوم؛ وحظرت السلطات في وقت سابق، النشر ومنعت التداول الإعلامي في قضية القمح الفاسد، فضلا عن قضية سيراميك رأس الخيمة، والصراع الذي كان دائراً بين المدير العام للمصنع ميشيل حبيب، وعضو مجلس الإدارة الهادي حسن الفاضل، وفي 28 إبريل 2016م أمر جهاز الأمن الصُحف بعدم نشر معلومات وأخبار تتعلق بالتظاهرات التي انطلقت في الخرطوم، وتفاقم قضية جامعة الخرطوم، وطلابها المعتقلين، والمفصولين سياسياً.
الحظر ضد الدستور
ويرى قانونيون أن قرارات حظر النشر عبر النيابة تتعارض مع الدستور، وهي غير قانونية، وأن القضايا التي يمكن فيها منع النشر تتم عبر المحكمة وليست النيابة، وغالباً ما يتم الأمر في القضايا المتعلقة بالأمن القومي، وليس القضايا التي تتعلق بالفساد أو الانتهاكات.
بابكر فيصل
الحوار ولد فأراً
ويرى الكاتب الصحافي بابكر فيصل في حديثه لـ (التحرير) “أن استمرار الإجراءات التعسفية ضد الصحف من الممكن أن تمضي أبعد من ذلك”، مبيناً “أن مؤتمر الحوار الوطني وبعد ثلاث سنوات من عملية مخاضه ولد فاراً”، وتابع “الأمر لا يقتصر فقط على الحريات الصحفية، بل حتى الحريات السياسية تعاني”، ويشير إلى “أن الأحزاب السياسية المرخص لها بالعمل من قبل الحكومة لا تستطيع إقامة ندواتها خارج دورها”، وأضاف “عقب إجازة الوثيقة الوطنية بموجب مؤتمر الحوار الوطني وفي نوفمبر الماضي، قامت الأجهزة الأمنية بمصادرة عدد من الصحف أيام الدعوة إلى العصيان المدني، كأن شيئاً لم يكن”، ويرى فيصل أنه “لم يحدث تغيير في ملف الحريات بعد الحوار الوطني، والهدوء الذي صاحب الفترة الماضية لم يكن لإيمان الحكومة بقضية الحريات، وإنما لأنها تعلم أن الولايات المتحدة تراقبها، وهي التي ترغب برفع العقوبات عنها من قبل امريكا، ومن ثم هدأت من تلك الإجراءات نسبياً، لكن من ناحية عملية، هذه الإجراءات لم تقف”، ولفت فيصل إلى “حديث القيادي بالمؤتمر الشعبي عمار السجاد الذي قال فيه إنه قد تم خداعهم فيما يتصل بالحريات بمؤتمر الحوار الوطني”.
علي نايل
يقولون ما لا يفعلون
ويرى القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل علي نايل “استمرار المصادرات الصحافية، وإيقاف الصافيين من الكتابة لم يكن بالأمر الغريب، حتى بعد أن أجيزت توصيات الحوار الوطني، التي تقول السلطة إنها تكفل إشاعة الحريات”، وأشار نايل في حديثه لـ (التحرير) إلى “أن توصيات الحوار الوطني لم ترتكز على أي حقيقة تجاز، أو تنفذ لصالح الحريات”، وقال: “إن أهل الإنقاذ يقولون ما لا يفعلون، واصفاً الحوار الوطني بـ (النفاق الوطني) ، وأكد أن “المؤتمر الوطني لن يمنح الحريات لأي صحيف؛ة لكي تقول الحقيقة، على الرغم من الوعود التي أطلقها”.
وحول دور القوى السياسية وتبصيرها للمواطنين بحرية الصحافة وأهميتها للوطن، تساءل نايل: “أين هي القوى السياسية؟ هل هي التي تبعت الحوار الوطني من أجل اقتسام كيكة السلطة معه”، وبدا القيادي بالاتحادي الأصل متشائماً من اي دور يمكن أن تؤديه القوى السياسية في هذا الصدد؛ لافتًا إلى”أن هذه القوى يتصدرها أفراد ليست لديهم مصلحة حيال مستقبل الشعب السوداني”.
صالح محمود
وفيما يتعلق بالشق القانوني، وهل من مسوغ قانوني يبيح للأجهزة الأمنية ممارسة تلك الاجراءات التعسفية ضد الصحف، قال القانوني والقيادي بالحزب الشيوعي السوداني صالح محمود لـ (التحرير): “لايوجد اي مسوغ قانوني حسب علمنا بنصوص الدستور والقوانين يجيز للأجهزة الأمنية ممارسة تلك الصلاحيات، ولكن بحسب التعديلات الدستورية التي تمت بالمجلس الوطني تم منح جهاز الأمن هذا النوع من الصلاحيات، التي تتعارض مع المواثيق الدولية، وقال حتى إن وجدت مخالفة يجب أن يكون الفيصل فيها هو القانون لا تلك الإجراءات التعسفية”.