كشفت لقاءات قناة الجزيرة حول أحداث هيئة العمليات بالمخابرات مع بعض من تسميهم الخبراء والناشطين أنَّ هناك أعداءً للثورة ما زالوا يضمرون لها الشر، وينتظرون سقوطها في أي وقت، وتداعبهم أحلام عودة النظام البائد، على الرغم من نعومة طرحهم، ومحاولتهم التخفي خلف ادعاءات الحرص على المصلحة!!
هناك عميد متقاعد اسمه ساتي سوركتي حاول أن يجد مصطلحاً مُخفَّفاً للأحداث فأسماها “عصيان أوامر”، فأيُّ أوامر تلك التي عُصيت، بينما ضباط برتبٍ معتبرة يحملون السلاح في وجه الدولة، ويروّعون الشارع، ويبثون الرعب في أكثر من مدينة، وفي عدد من المواقع في آنٍ واحد.
وألقى أحد أعضاء المؤتمر الشعبي باللائمة على الحكومة،
والتمس العذر للمتمردين بأنهم مساكين يعانون شظف العيش، وكلنا نعرف أوضاع هؤلاء الذين
تنعَّموا بامتيازات ورواتب وبدلات لم تُتح لغيرهم، في ظل نظامٍ كان همّه الحفاظ
على بقائه بقبضة أمنية صارمة.
وهذا التدليل هو ما أوجد نظاماً أمنياً مشوَّهاً يدين
لمن بيدهم السلطة، على حساب مسؤوليته في حماية أمن البلاد. وتمرُّد هؤلاء دليلٌ
على تشوُّه عقيدة بعض الأجهزة الأمنية، وخصوصاً المخابرات، التي ربطت نفسها
بالنظام، لا الوطن.
وأرى أنَّ نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان حميدتي
كان شجاعاً في تسميته الأشياء بأسمائها، وعدم التدثُّر باتهام جهات مبهمة، وقد
أشار بأصابع الاتهام إلى رئيس المخابرات السابق صلاح قوش، كاشفاً اتصاله بضباط في
الخدمة، وآخرين في المعاش، في محاولة لإعادة عجلة الزمن إلى الوراء، بتنسيق مع
الحزب المحظور “المؤتمر الوطني”، الذي تسبَّب في أحداث مؤسفة في مدني خلال
مسيرته الزاحفة المأذونة من أجهزة أمنية، وهذا يدل على حجم التآمر والتنسيق، وينفي
أن تكون أحداث العمليات محصورة في مطالبات مالية، كما حاول المتعاطفون مع التمرُّد
تصويرها.
ولا أذيع سرّاً إذا قلت إن تحرك جهاز الأمن كان
معلوماً للحكومة ولكثير من القوى السياسية، وحذَّر منه حادبون على المصلحة الوطنية
من داخل الجهاز نفسه، وهذا ما يتطلب المحاسبة، وقد أكد ضرورة تلك المحاسبة حميدتي،
ثم وزير الإعلام فيصل محمد صالح.
وأهم نقطة في هذا الأمر بقاء الأسلحة مع جنود مسرحين
من الخدمة، فأي فوضى نعيش؟ وكيف سيكون التعامل مع مدير المخابرات الذي قال لقادته
إن كل شيء تمام، فتكون مثل الأحداث في ثاني يوم من قوله هذا؟
وفي الوقت الذي تُحاك فيه المؤامرات على الثورة تمارس
بعض أحزابنا الرفاهية بالحشد، واستعراض القوة، والنيل من بعضها بعضاً بأوصاف ولغة
في قمة التدني، في لحظة تاريخية تستوجب التكاتف، على القدر نفسه الذي كان عليه في
أيام الثورة، التي ما تزال ممتدة، في حين أنَّ تلك الأحزاب تظن أنها وصلت إلى بر
الأمان، حتى حان وقت المحاصصة، والتدافع بالمناكب.
وأكدت الأحداث أهمية تنظيف الأجهزة الأمنية، لا جهاز
المخابرات فحسب من كل الذين يكيدون للثورة، ولا يؤمنون بها، وقد أثبتت أحداث ومواقف
كثيرة أنهم ليسوا قلة، وأنَّ أحلام الانقضاض على الثورة ما زالت تداعب أخيلتهم.
يؤكد الأداء الإعلامي المواكب للأحداث أن هناك ارتفاعاً
في المستوى إلى حدٍّ ما، ولكن النكبة في أنني وجدت موقع وكالة الأنباء السودانية
(سونا) خارج الخدمة، في وقت ينبغي أن تكون فيه لسان حال الدولة، وهذا قصور كبير
يستدعي المحاسبة.
وظني أن الارتقاء بمستوى الأجهزة الإعلامية يتطلب ثورة
شاملة يتسلَّم من خلالها زمامَ الأمور في الأجهزة الإعلامية الرسمية شبابٌ من صنَّاع
الثورة، بعد أن يجري تأهيلهم وتدريبهم، وهذا لن يصبح حقيقة ما لم نؤمن بأهمية
الإعلام في التنوير والتوعية والتثقيف، وقدرته على الإسهام في إيجاد مجتمع جديد مُعافى
يملك الوعي والإرادة لتغيير واقعه إلى الأفضل.