جهاز الأمن والمخابرات الوطني المحلول ، لا يختلف إثنان على إحتوائه لنسبة ما في الأغلب قد تكون عالية لمكوِّنات تنظيمية سياسية تابعة لحزب المؤتمر الوطني المحلول ، وهذا الإعتبار يفرضهُ المنطق ليس إلا ، فكيف لنا أن نتوقَّع أن ينجو الجهاز من براثن (التمكين) السياسي للحزب البائد في الوقت الذي لم تنجو من سطوته أقل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية أهميةً على المستوى الإستراتيجي إذا ما تمت مقارنتها بجهاز الأمن وبذلك لا يمكن قراءة التمرُّد الذي قامت به ثُلة من أفراد الجهاز عبر إحتلال بعض الشوارع المحيطة ببعض ثكنات الجهاز ومن ثم إطلاق الأعيرة النارية التي أرعبت المواطنين وشلت حركة المركبات وإنسياب مرورها في محيط تلك المناطق ، ثم علينا التريُّث قبل قراءتها كمُجرَّد إحتجاج مطلبي يتعلَّق بمستحقات مالية فالتوقيت وطريقة التعبير عن الإحتجاج ثم تنظيم هذه العملية عبر إتفاق مُحكم لوحدات تابعة للجهاز متباعده من حيث الموقع الجغرافي يُشير إلى وجود (تشكيل) تنظيمي داخل الجهاز يدفع وينظِّم ويؤقت للكثير من المواقف وردود الأفعال تجاه العديد من القضايا التي يتناولها برنامج الحكومة الإنتقالية وفي مقدمتها كل مخططات تفكيك دولة التمكين وتحويلها إلى دولة مؤسسات.
إن ما حدث من تمرُّد عسكري في جهاز الأمن ، يضع المكونين المدني والعسكري في الحكومة الإنتقالية في محكٍ حقيقي يتقيَّم من خلاله موقفهما الجاد أو المتراخي في إنجاز المسائل الأساسية المتعلِّقة بالإستقرار الأمني للبلاد ، وذلك عبر إتخاذ مواقف وقرارات وإجراءات حاسمة وسريعة في مسألة إعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات الوطني لتتناسب أعماله وصلاحياته مع مباديء ومتطلبات الدولة المدنية وشعاراتها المطلبية الجماهيرية المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة وبناء دولة القانون والمؤسسات.
ويظل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ، هو كيف ما زال بعض رجال جهاز الأمن والمخابرات يحملون أسلحتهم وذخائرهم بعد أن تم إعلان تحديد إختصاصات الجهاز في مُجرَّد جمع المعلومات والبيانات التي تخص الحالة الأمنية ؟ وهل السلاح في زماننا الأغبر هذا يعتبر واحداً من أدوات جمع المعلومات وتحليل بياناتها ، من وجهة نظري إن إعلان تحديد الإختصاصات الجديدة للجهاز كان مجرد (مهرجان) إعلامي (صوُّري) ولم تتبعهُ إجراءات جدية تؤكده في الواقع الميداني لأعمال الجهاز ومكوِّناته البشرية وأدواته المهنية ، فالتعريف الجديد لإختصاصات الجهاز يجعل منه هيئة أو مؤسسة أقرب إلى المدنية وإن إحتاجت للتسليح لأسباب تأمينية خاصة بحماية المنشآت والمعدات والمصادر فإن ذلك يجب أن يكون في إطار محدود ومدروس العواقب حتى لا يتكرَّر ما حدث في ظل الهشاشة الأمنية التي تعانيها البلاد لأسباب كثيرة لا نحتاج إلى إيرادها لأنها معروفة للجميع ، على الحكومة الإنتقالية أن تعالج هذا الأمر الخطير بالكثير من الحرص والحذر حلاً جذرياً يريح البلاد والعباد ومنسوبي الجهاز بما يتوافق مع العرف والقانون.