غنت أم كلثوم لشعراء مصريين وعرب وأجانب بينهم الهادي آدم
يوسف عمر
كانت مجلة السودان الجديد التى رأس تحريرها الراحل الأستاذ فضل الله محمد وكنت سكرتيراً لتحريرها في أوائل سبعينيات القرن الماضي قد أجرت لقاءً هاتفياً مع سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلوم بمناسبة غنائها قصيدة “أغدا ألقاك” للمرحوم الشاعر الهادي آدم الذي حُق له يومها أن يفخر بذلك، إذ كان من بين قلة من الشعراء المصريين والعرب والأجانب الذين تغنت لهم أم كلثوم.
*من الشعراء
العرب: الهادي آدم، الأمير محمد عبدا لله الفيصل، نزار قباني، علي احمد باكثير،
احمد العدواني، وجورج جرداق.
*من الشعراء
المسلمين: الشاعر الباكستاني محمد إقبال الذي ترجمت قصيدته من الإنجليزية إلي
العربية.
* الشاعر الفارسي
عمر الخيام الذي ترجمت قصيدته من الفارسية إلي العربية.
وقد اخترنا عنواناً لذلك اللقاء “غداً تشدو كوكب الشرق بأغنية لشاعر من بلادي”.
ومما جاء عن
هؤلاء الشعراء الذين تغنت لهم سيدة الغناء العربي ببعض قصائدهم أنها كانت تتدخل فى
تعديل أبيات القصائد التى اختارتها، وهي صفة عرفت بها وما أذكره فى هذا الصدد عن
اختيارها قصيدة المرحوم الشاعر الهادي منقول لكاتبه “محمد علي”.
غنت أم كلثوم من أعمال
الشاعر السوداني الهادي آدم قصيدة “أغداً ألقاك”،
وقد
اضطر شاعرنا الهادي آدم إلى تغيير أبيات بأكملها، بل وتغيير شطرات من أشعاره فى هذه القصيدة حتى تغنيها أم كلثوم.. وقد جاء
إلى القاهرة من أجل هذا الغرض بعدما اختارت كوكب الشرق
إحدى قصائده وفق ما رواه الشاعر والكاتب الصحفي
صالح جودت .. ليس هذا فقط، بل إن لاختيار أم كلثوم لهذه القصيدة بالذات قصة طريفة
يرويها شاهد عيان كان حاضراً وقت وقوع هذا الاختيار.
ففي عام 1970م، نشر الشاعر صالح جودت في إحدى مقالاته الأسبوعية يقول: إنه بعد أن غنت أم كلثوم حفلتيها في السودان، وعادت الى مصر، وقالت لي يومئذ: إن البلاد العربية جميعاً تعيش مع مصر فى محنة النكسة، ولكن أعمقهم شعوراً بها هم أهل السودان. إن مستوى الألم فى النفس السودانية هو نفس مستواه فى النفس المصرية، لقد كنت أدخل بيوتهم فأحس أنني فى بيتي وألتقي بهم فأ شعر بأنني بين أهل وعشيرتي. ثم أضاف فى حديثه ما يتعلق بشأن ما غنته أم كلثوم قائلاً: وسألتني أم كلثوم كيف أستطيع أن أعلن عن حبي لأهل السودان، وقبل أن أجيبها قالت: بأن أغني قصيدة لشاعر من السودان.
وكانت تلك الرغبة
وفق ما رواه الشاعر صالح جودت هى الدافع الأساسي لدى أم كلثوم
لكي تغني فعلاً كلمات من إحدى قصائد أحد شعراء السودان المعاصرين.
ومن أجل ذلك فقد
كلفت صالح جودت نفسه بالبحث عن هذه القصيدة.
وعن هذا قال:
اتفقنا على أن نبحث عن القصيدة المنشودة، وطفت بمكتبات القاهرة،
واستعنت بالأصدقاء فتجمعت لدي سبعة دواوين لسبعة شعراء، ومضيت أدرسها ثم اخترت من كل منها قصيدة تتوافر فيها
الصلاحية الغنائية، وأرسلت القصائد السبع لأم كلثوم لتفاضل
بينها، وبعد أيام سألتني أم كلثوم أيهم أفضل قلت: لقد تركت لك مهمة المفاضلة، حتى لا أكون منحازاً لشاعر دون آخر، قالت لقد اخترت واحدة
منها بالفعل، ولكن لن أذكرها لك حتى أعرف رأيك.. قلت:
إذا كنت تصرين، فإنني أفضل قصيدة الهادي آدم فهي
أصلحها للغناء. قالت لخفة ظلها المعهود: برافو عليّ أنا، فهذه هي القصيدة التي اخترتها بالفعل. ومن بعد هذا الاختيار
شدت أم كلثوم فعلاً بكلمات هذه القصيدة بعد أن وضع لها
الألحان المتميزة محمد عبد الوهاب. وهي التي تقول فيها كوكب الشرق:
أغداً
ألقاك
يا خـــوف فــــؤادي مــــن غـــــد
يا
لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد
آه
كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا
كنت
أستدنيه لكن هبت لما أهابا
وأهلت
فرحة القرب به حين استجابا
هكذا
أحتمل العمر نعيماً وعذابا
مهجة
حرى وقلباً مسه الشوق فذابا
أغداً
ألقاك
* * *
أنت
يا جنة حبي واشتياقي وجنوني
أنت
يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني
أغداً تشرق أضواؤك فى ليل عيوني
آه من فرحة أحلامي ومن خوف ظنوني
كم أناديك وفى
لحني حنين أو دعاء
يا رجائي أنا كم عذبني طول الرجاء
أنت لولا أنت لم
أحفل بمن راح وجاء
أنا أحيا فى غد
الآن بأحــــلام الـــقــــاء
***
فــأت
أو لا تــــأت
أو فافعل بقلبي ما تشاء
أغداً
ألقاك
***
هذه
الدنيا كتاب أنت فيه الفكر
هذه الدنيا ليال
أنت فيها العمر
هذه الدنيا عيون
أنت فيها البصر
هذه الدنيا سماء
أنت فيها القمر
فارحم القلب الذي
يصفو إليك
فغداً تملكه بين
يديك
وغداً تتألق الجنة
أنهاراً وظلاً
وغداً ننسى فلا
نأسى
على ماض تولى
وغداً نسمو فلا نعرف للغيب محلاً
وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
قد يكون الغيب
حلواً
إنما الحاضر أحلى
أغــــــداً ألـــــــقـــــــــــاك
* * *
والشاعر الهادي
ادم الهادي من مواليد مدينة الهلالية بولايــــة الجزيرة. تلـــــــقي تعليمه
بالمعهد العلمي بأم درمـــان، وحــاصل عـــــــلى الليســـــانس من كلية دار
العلوم بالقــــاهرة، وعلى دبلوم عــالٍ فــــيى التربيــــة من جامعة عين شـــمس.
ويعــدُّ ديــوانه “كــوخ الأشواق” أشـــهــر دواويـــــنـــه الــكثيرة، وهكذا كانت الصحافة السودانية رغم قلة الإمكانيات وضعف وسائل التواصل إلا أنها كانت تصنع الأحداث.. فلقد بادرت مجلة السودان الجديد بإجراء لقاء عبر الهاتف مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
وكان هذا رداً ووفاءً لما لقيته عندما جاءت
للسودان فى أعقاب نكسة حزيران 1967م، وأشارت إلى أن السودان كان أكثر الشعوب
العربية قرباً ومعايشة لمعاناة الشعب المصري بعد تلك النكسة. ونجد التأكيد أن
تعديلات قد أد خلت على القصيدة فى لقاء خاص جمع الشاعر والسيدة أم كلثوم، وهو عرف
جرت عليه أم كلثوم مع كل الشعراء، وليس الهادي آدم وحده لضرورات اللحن والأداء.