السدود فى شمال السودان مسالة حياة أو موت.. و اللجان الشعبية لمقاومة السدود هى الأجسام الوحيدة المنتخبة فى السودان المريض بأدواء نقصان الديمقراطية، وهى الجهة الوحيدة التى تحمل تفويضاً شاملاً وكاملاً بيدها، تفويض من الشعب يعنى تفويض من أصحاب الحق ..هناك عقد بينه أى الشعب ولجانه التى انتخبها لمقاومة السدود.
لقد انتزع النشامى فى الشمال حقهم فى التصويت انتزاعاً، وجلسوا القرفصاء فى نحو سبعين قرية – كل على حدة – وانتخبوا ممثليهم انتخاباً حراً مباشراً وأكثر من ذلك ادواأقسم التحدى والرفض المطلق للسدود، وهذا القسم الغليظ يقول ببساطة لن تبنى السدود الا على أجسادنا، وهو القسم الذى عجز خاوى الوفاض من الكيزان عن استيعاب مدلوله، تماماً كعجزهم عن فهم نفسية المارد الذى يشتعل ناراً كلما ووجه بمؤامرات السدود، هذا المارد الذى أوقف مشروعات السدود عنوة واقتداراً، وملا افواه الكيزان ملحاً اجاجاً، وحول الاغنية المصرية التى تقول قلنا حنبنى السد العالى ودينا بنينا الى قلنا حنوقف سدود الشمال ودينا وقفنا.. ذلك فى وقت طال فيه القمع الكيزانى حتى حراريرهم اللاتى ملأ بهن أمن الكيزان عربة كاملة من فريق الصامدة لاستكتابهن تعهداً بعدم مقاومة سد كجبار ، ناهيك عن تقديم الشهداء ..عيب الشؤم أن تتجاهل حكومة الثورة صوت هذه الكنداكات، عار على عسكر الثورة التمسك بأجندات الكيزان !!!
ينبغى على المستنكحين الذين يدعون تمثيل قضية اهل السدود، ومعهم الذين يكبرون بهم العدد فى الجبهة الثورية، ومعهم الذين يجلسون للتباحث فى مائدة التفاوض أن يشعروا بالعار فلا حميدتى منتخب ولا الجبهة الثورية منتخبة ولا حركة كوش الوهمية منتخبة، ولا ثمة عقد اجتماعى يربطهم بالشعب لكى يقرروا بشأن السدود!!
عندما يقول لك أهل السدود إنهم لم يفوضوا أحداً للتفاوض بالنيابة عنهم، يبقى لازم تقوم توقف وأنت بتكلمهم قبل تقديم الاعتذار الواجب ..لأنك لو تماديت فى سرقة لسانهم لإرضاء غرورك وعززت سرقتك بالاستعانة بدجالى المركز ستجعل الدم يشتعل فى عروق أهل الشمال المكلومين والصابرين والكاظمين الغيط والصامتين تقديراً لمهددات التشظى المحدقة بالوطن، بتجاهلك لرأى أصحاب القضية، والترويج لانفاق مضروب مع الادعياء والمستهبلين أنت تلعب ألعاباً خطرة، أنت تضرم وميض النار الذي تحت الرماد …..وسيخرج لك من يواجه العابك ليقول لك: لا أنت ولا هم ولاهن ولا هولاء ولا أولئك باستطاعتكم فرض أي اتفاق يبقى على مشاريع السدود.. أنتم تدفعون أهل السدود دفعا لكى يسمعوكم ما لا يسركم.
أهل السدود مثلهم مثل شعوب الدنيا التى تتصارع على الماء والكلا ولا فرق بينهم سوى أنهم أى جماعة السدود يقولون (لا) سلما من غير سلاح.. تمثلت (لا) عندهم فى الرفض المطلق للسدود، واتخذ التعبير عن الرفض أشكالاً عدة أهمها المارشات السلمية، ثم مالبث أن تطور بفعل التراكم لدرجة أن قائداً ماركسياً كبيراً مشهود له بالدبلوماسية والهدوء هو البروفيسور الراحل فاروق كدودة طالب مقاومى السدود علناً فى ندوة محضورة بعدم تضييع الوقت فى الكلام، ورمى الآليات المستجلبة لبناء سد كجبار فى النيل ..!!
الخوف كل الخوف أن يؤدى تعنت الجهات السودانية إلى تحويل (لا) المسالمة والهادئة والرزينة التى تسمع كلام ماما وتشرب كأساً من اللبن فبل النوم إلى بركان يؤدى الى ظهور من يقول: ان السدود فى الشمال غير مسموح بها لا من أجل مصلحة الشعب السودانى ولا من أجل مصلحة السودان الوطن، ستكون لحظة تاريخية موجعة للسودانيين الذين يتوقون لوطن المساواة والإنصاف، وطن الوحدة فى التنوع الذى يقدم فيه الجميع نصيبهم فى البناء الوطنى طوعاً ومعه بوسة، ستكون لحظة من تلك اللحظات التى يتجادل فيها البشر عما إذا كان التاريخ يعيد نفسه !! صدقونى لست زرقاء يمامة ولا أقرأ الفنجان، لكننى حين أغمض عينى وأفتحها واجد اللعب بموضوع السدود ماثلا، أشعر بكليك يدوى فى رأسي !!! هل نحن مقبلون على تاريخ جديد سيكتبه أهل الشمال الأقصى .. وهل سيتعامل المركز العربواسلامى بنفس عقلية دولة سنار، وما الذى سيقوله التاريخ عندما يرى( نوبة الجبال مع شعار العلمانية او تقرير المصير و أهل السدود مع شعار لا سدود أو تقرير المصير ) !!. منذ سقوط المسيحية توقف أهل السدود عن إنتاج الحضارة لكنهم سرعان ما لملموا ضفايرهم الحضارية المتناثرة وأخرجوا لسانهم لمن ادعوا أنهم قد سحقوا ثقافتهم، ثم عاشوا أزهى عصورهم بداً من الفترة التى تحالفوا فيها مع المماليك وهى الفترة التى خرجوا فيها من منظومة السلطنة الزرقاء البائسة والمتخلفة ميممين وجوههم نحو البحر الأبيض مجدداً . ينسى السودانيون ان دولتهم كانت تنتهى عند الشلال الثالث عند وصول نجل محمد على باشا، ولا أظن ان هناك مايعيق التاريخ من اعادة نفسه إذا ما توافرت ظروف مثل (الرعونة) التى نشهدها اليوم!!
إن هذه المباحثات التى تجرى فى جوبا تعكس بلا جدال التشظى الحاصل فى المجتمع السودانى، و لن تساوى الاتفاقيات التى تنتجها الحبر الذى كتبت به مالم تلب رغبات شعوب جمهورية السودان، وتستجيب لتنبيهات السودانيين من الشجر الذى يسير!!