تستطيع أن تدخل مجلس الوزراء حتى مكتب رئيس الوزراء بكل سهولة بعد التعريف بشخصيتك، وتجد كل الترحيب والاحترام بدون أن تحتاج الى إبراز البطاقة الصحفية. دخلت المجلس وأحسست أنى في بيتي من الحفاوة الكبيرة، ولولا عدم وجود (حمدوك) لالتقيت به رغم أنى لا أحب الذهاب لاحد بدون موعد، إلا إذا استدعت ضرورة العمل الصحفي ذلك. قابلت عددا من كبار المسؤولين، ورغم عدم معرفتي للبعض إلا أن بشاشتهم جعلتني أشعر بأنى أعرفهم منذ سنوات طويلة، وخرجت من المجلس وأنا في غاية الاطمئنان الى احترام الجميع للصحفيين ودور الصحافة، كما قال الدكتور حمدوك أكثر من مرة، وهو ما يشجع أي صحفي على طرق أبواب المجلس.
دخلت القصر الجمهوري بسهولة في يوم صعب كانت فيه الشوارع المحيطة بالقصر مغلقة، بسبب وقفة احتجاجية. وجدت كل الأبواب مفتوحة، ولم احتاج حتى لإبراز البطاقة، وعندما وصلت الى مكتب (محمد الفكي سليمان) عضو المجلس السيادي والناطق الرسمي للمجلس استقبلني بحفاوة رغم تأخري بسبب الشوارع المغلقة بقوات الجيش الذين وجدت منهم كل التجاوب وفتحوا لي الطريق عندما عرفتهم بشخصي. وكذلك كان كل موظفي القصر الذين صادفتهم في طريقي الى مكتب (محمد الفكي) الذى لم يبخل بالإجابة عن أي سؤال، ودار بيننا حديث طويل وكأننا أصدقاء، ولم أخرج إلا بعد الانتهاء من مهمتي، وقبل مغادرتي افصحت عن رغبتي في إجراء حوار تلفزيوني مع الفريق (حميدتى)، أو كما يسميه البعض (اخطر رجل في السودان)، فوعد بتحقيق الطلب في أسرع وقت. شتان ما بين القصر الجمهوري في العهد البائد وقصر الشعب في عصر الثورة !
ولجت وزارة الاعلام بدون ان يسألني احد، وكنت على موعد رسمى مع وكيل الوزارة الأخ (الرشيد سعيد) الذى استقبلني بكل الود وتحدثنا عن كل شيء ، وأجاب على أسئلتي بدون أي تحفظ، وعندما علم الوزير بوجودي في الوزارة جاء الى مكتب الوكيل ليرحب بي ويهنئني بسلامة العودة الى البلاد، فانتهزت الفرصة كعادتي عند لقاء المسؤولين بتوجيه النقد الحاد والقاسي لأداء الوزارة فتقبله بكل رحابة صدر، ووعدني بلقاء يتحدث فيه عن كل شيء. بعد أيام قليلة اتصل بي مدير مكتبه الرجل المهذب الخلوق (معاوية احمد الطيب) وحدد لي موعد اللقاء، ولكن حال ظرف قاهر يتعلق بي دون حدوثه، ووعد الوزير بموعد ثان في اقرب وقت!
ذهبت الى وزارة الثروة الحيوانية بدون موعد، والتقيت خلال ثوان قليلة بالوزير الدكتور (علم الدين عبدالله) والوكيل الدكتور (عادل فرح إدريس)، وكان لنا حديث عن الثروة الحيوانية باعتبارها رأس الرمح في التنمية، وأعطاني الوكيل أخطر ملفات فساد العهد البائد للاطلاع عليه، وطلب منى تحديد موعد للجلوس معهم والحديث عن كل شئ، وهم الآن في انتظاري. أصبح الصحفي في هذا العهد الجميل هو الذى يحدد الموعد وليس الوزير !
طلبت من الناطق الرسمي للشرطة العميد الدكتور (عمر عبد الماجد) موعدا لحوار شامل مع مدير عام شرطة ولاية الخرطوم الفريق (خالد بن الوليد)، وعند تحديد الموعد وجدت الفريق في انتظاري مع كل قيادات الشرطة بالولاية وكأنني وزير الداخلية،، وكان الحديث الطويل الذى أجابوا فيه على كل شئ ولخصته لكم في هذا المكان !
المكان الوحيد الذى شعرت أنه لا يزال ينتمى للعهد البائد هو مقر لجنة تفكيك العهد البائد بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم، حيث لم تصلح بطاقتي الصحفية كمستشار تحرير صحيفة الجريدة، ولا هوية الاستاذ محجوب عروة كصحفي وناشر مخضرم ورئيس تحرير صحيفة (السوداني الدولية) في فك عقدة البيه البواب، فطلبت من الأستاذ محجوب أن نغادر، فالبيه البواب هو بواب البيه (الفريق) رئيس لجنة التفكيك الذى اعطى تعليمات بعدم دخول احد حتى لو كان صحفيا باحثا عن المعلومات، فغادرنا بكرامتنا قبل أن نتلقى الصفعات التي يبدو أنها كانت في الطريق الى وجوهنا إذا أصرينا على الدخول !