يشعر «كيزان»السودان اليوم بمهانة شديدة بسبب سقوطهم على يد الشباب صناع ثورة ديسمبر المجيدة. لا يستوعب هؤلاء أن السقوط أمر طبيعي ومستحق مقابل فشل أصبح واقعا يمشي على الأرض. وبدلاّ من التوقف واستلهام العبر والدروس، عاد «الجبهجية» إلى دفاترهم القديمة بقلوبنا، حيث الشريعة المفترى عليها والتجارة غير الرابحة باسم الدين.
يملؤون الدنيا اليوم ضجيجا محذرين من العلمانية والشيوعية واللادينية القادمة باعتبار أنهم وكلاء الله في الارض. وحسب ما يقولون إما هم أو العلمانية التي ستسيح في مقاومتها (الدم للركب) كما يقول المدعو ناجي عبد الله أحد قيادات الشعبي. يتناقص هذا ولا ينسجم مع موقف الأمين العام للحزب على الحاج الذي يرى أن العلمانية نعمة ورحمة. يبدو أن الاخوة أعداء الوطن فقدوا توازنهم السياسي حتى لم يعد لخطابهم السياسي اي معنى أو تناغم.
عقدت الدهشة السن الشعب السوداني عندما عادت تلك الشعارات القديمة التي داسها هؤلاء بانفسهم للظهور مرة اخرى: هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه…..وكأن الشعب لم يجرب بؤس شعاراتهم وعدم مصداقيتها من قبل ومن بعد… لكن الكذب كما يقول اسحق فضل الله العالم بفقه الحروب حلال مباح في مثل هذه الحالات..!!
لقد أمد الشعب حبل الصبر طويلاّ لهؤلاء المخادعين الله والوطن في فرصة لن تتوفر لأي حزب سياسي. ومع ذلك كان الفشل المريع ديدنهم في كافة المجالات.
هم لا يعترفون بفشل العقود الثلاثة المريرة من الحكم، لكن بصرهم اليوم حديد، حيث يرون عين اليقين تجربة الأشهر الثلاثة لحكومة الثورة. إنه لمن المضحك أن يرى من أدمن الفشل، عيوب غيره الذي لم يبدأ عمله بعد، ولا يرى ما آلت إليه البلاد جراء نظام الانقاذ البائد.
بالأمس القريب (14ّ ديسمبر) جرب «الانقاذيون» بمختلف مكوناتهم من شعبي ووطني وغيرهم من الخاسرين الذين اسقطهم الشعب، جرب هؤلاء لأول مرة محاولة الثورة على الثورة بغرض استعادة ما يظنون أنه ملك خالص مستحق لهم.
ليس من المهم كما يظنون تحقيق شئ ما للوطن والمواطن، لكن المهم السلطة التي هي مطلبهم الآن وبأي ثمن.. الفشل ليس بالأمر المقلق لتجار الدين، أما النجاح فهو يتمثل في العودة إلى سدة الحكم واستكمال نهب وبيع ما تبقى من موارد البلاد.
في تسجيل بالصوت والصورة للواء أمن معاش عبد الهادي عبد الباسط أحد قيادات الانقاذ الذي طالما اتحفنا بالقنوات الفضائية وهو ينافح ويدافع عن الانقاذ ضد الثورة السودانية المجيدة، ثمة معلومات مهمة تكتسب أهميتها من كونها تمثل أدلة دامغة تدين الإنقاذ.
هذا التسجيل الذي يأتي ضمن ورقة قدمها خلال محاولات اللحظات الأخيرة لإنقاذ الانقاذ من السقوط، يتناول معلومات لأول مرة يتم تداولها داخل منظومة الحكم البائد. اما وقد اجتاح رعب السقوط الجميع آنذاك، فقد كان لزاما طرح الأشياء كما هي على علاتها، عسى ولعل ان يكون هناك من يلهمه الله فكرة ما لإحياء عظام الاقتصاد الذي وأدوه وهي رميم..!!
لعل ما ذكره عبد الهادي من صناعة للفشل يكون كافيا حتى لا تراود فكرة العودة إلى الحكم اي اسلاموي سوداني على الأقل لثلاث عقود قادمة هي الفترة التي قضوها في تدمير السودان.
وفقا للواء معاش عبد الهادي عبد الباسط، فقد انتهت وزارة المالية التي كانت تحظى بافضل نظام لإدارة الاقتصاد (باعترافه هو) قبل الانقاذ، إلى وزارة لا تسيطر على 30% من الاقتصاد لأن أكثر من 70% من الموارد كانت خارج سيطرة الدولة..!!
على الرغم من تناولنا مسبقاّ الكثير مما طرحه أحد القيادات المتطرفة في الانقاذ، فإن مثلنا السوداني يقول: (حلو الكلام من خشم سيدو).. حيث يتباكي اللواء عبد الهادي على الصروح الاقتصادية التي كان يراها تذبح أمام ناظريه ولا يحرك ساكنا إزاءها.. يقول الشيخ عبد الباسط وهو بالمناسبة يمتلك عدة مخابز ما زالت تتحكم في قوت الشعب: (لقد طاحت الخصخصة بكافة مؤسسات الصادر الناجحة التي تم بيعها على حين غرة حتى لم يعد لدينا دولار واحد يدخل إلى الخزينة العامة).
كلنا يعلم أن سياسة التمكين الاقتصادية الإخوانية شملت بعد إحالات الصالح العام سيئة الصيت، بيع الشركات والمؤسسات الحكومية الناجحة بأبخس الأسعار إما لكوادر الحزب في الداخل، أو لمنتفعين من الخارج مقابل عمولات خاصة.
ما يهمنا الآن ما قاله في التسجيل اللواء معاش حول شركة الاتصالات السودانية موباتيل التي كانت تمتلك الدولة فيها 80% وتحقق أرباح سنوية بحدود 300 مليون دولار سنويا على أقل تقدير. نعم 300 مليون دولا على أقل تقدير. !!اي جنون هذا بالله…
يقول اللواء عبد الهادي: (لقد تم بيع هذه الشركة في السهلة في السهلة….) كررها مرتين… يعني بلا رقيب… ويمضي قائلا: (لا يحدث ما حدث للشركة هذه في اي مكان في الدنيا الا في السودان .. ان يبيع الشريك الأكبر حصته للشريك الأصغر).ّ!!…طبعا لا يحدث مثل هذا الا من قبل كيزان السودان لأنهم كان لديهم أجندة تدميرية ممنهجة للسودان اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
معلوم أن الشريك الأصغر هو شركة زين الكويتية، وبسبب هذه الصفقة الكارثية ظهرت زين كشركة عملاقة على حساب موباتيل تمتلك 80%… وكلنا يعلم الحديث الذي يدور عن مضاربات شركات الاتصالات في سوق العملة كشريك أساس في انهيار العملة الوطنية.
لم يتحدث عبد الهادي أو غيره ولم يتناول احد من أركان النظام مثل هذه المعلومات إلا في الايام الاخيرة النظام وهو يئن تحت وطأة الغضب الشعبي العارم. حدث ذلك ربما لتبرئة الذات أو في محاولة لتطهيرها من إثم الصمت أن لم يكن من إثم الولوغ المباشر فيما اصاب البلاد والعباد من كوارث ماحقة جراء السياسات الفاشلة للإنقاذ.
يواصل اللواء أمن عبد الهادي تقليب المواجع امام شركائه قيادات الحركة الاسلاموية السودانية قائلا: (الانقاذ كانت أيضا قد ورثت الشركة السودانية لتجارة الماشية وقد تم حلها. في الوقت الذي كانت تحقق فيه للبلاد دخلا دولاريا مباشرا.. تم حلها وأصبحنا نمول صادر الماشية من اموال الحكومة)… جنون ام حقد دفين؟؟
نفس الشئ حدث كما يقول مع الأسواق الحرة التي كانت تحقق 2 مليون دولار شهريا تم بيعها أيضا. في كل هذه الصفقات لم يقدم المتحدث أية مبررات للبيع ولم يوضح لماذا سكت طيلة هذه الفترة ….واضح أنهم كانوا يتداولون هذه الامور المصيرية فيما بينهم حيث لم يقرأ له أو لغيره أحد مقالا أو يسمع تصريحا حول تلك الصفقات.
اذكر على المستوى الشخصي أن الاسواق الحرة إلى جانب فندق قصر الصداقة وإحدى البنوك التجارية قد تم بيعها لرجل الأعمال السعودي جمعة الجمعة (ولدى السودان قصة موجعة مع استثماراته)، فيما تملك الإماراتيون بنك الخرطوم العريق. اما مصانع الغزل والنسيج وتجفيف الالبان وصناعة الجلود وغيرها…فلا أحد يعرف مصيرها حتى الان.
هناك امبراطوريات اقتصادية مثل شركة زادنا التي أصبحت تمتلك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية حتى الحدود المصرية، وتحتاج أيضا إلى مراجعات شاملة للوقوف على حقيقة اصولها وحدود انشطتها.
على الرغم من هذه الكوارث، فالسلطة عند «الكيزان» غاية في حد ذاتها، فهي كما اثبتت سنوات حكمهم الطويلة ايضاّ وسيلة للاستحواذ على المال وكنز الذهب والفضة… وليس من المهم تناول مسألة النجاح أو الفشل…طالما كانت الحركة تحكم…!!
على المستوى السياسي حدث ولا حرج ولكن ما قاله علي كرتي في تسجيل مماثل (ويوافقه المخلوع البشير كما قال) وقبله عبد الرحيم محمد حسين للمصريين: إنه من غير المعقول أن يسكن ما يقل عن مليون نسمة في الالف ميل الواقعة بين الخرطوم وحلفا، بينما يسكن 90 مليون مواطن مصري في الالف ميل الواقعة بين حلفا ودلتا النيل شمالا.. لم يسجل التاريخ خيانة وطنية لامثال هؤلاء فتلك دعوة صريحة للاستيطان، مع ملاحظة أن تلك التصريحات كانت تترى في وقت تحتل فيه مصر مثلث حلايب وغيرها…!!
لا حد ولا متسع يستوعب فشل الإخوان المسلمين في السودان وخيانتهم للأمانة الوطنية…فكيف يجرؤ أحدهم على مجرد التفكير في العودة إلى سدة الحكم؟ واي مواطن ذاك الذي يبصم على موت وطنه مرتين؟؟!!
هم اليوم مستاؤون من المواطنة العادية، لأنهم اعتادوا على الوجاهة، واعتادوا على المواطنة الاستثنائية المميزة.. ومع كل تلك الفظائع التي ارتكبوها بحق الوطن، يعتقد الدكتور غندور الرئيس الجديد للمؤتمر الوطني الذي حكم البلاد 30 عاما وانتهى الى تقسيمه وتدميره وخلق بؤر التوتر فيما تبقى منه، يعتقد ان جماعة قحت قد سرقت الثورة وان حراك 14 ديسمبر بقيادة اسحق فضل الله وسعاد الفاتح وغيرهم من عجايز السياسة السودانية يهدف إلى إعادة الحق إلى اصحابه اي الشعب السوداني…!!!
ليت غندور وجماعته سرقوا ثورة من شعب معلم يعرف كيف يستعيد ثورته، لكنهم سرقوا وطنا في غفلة من التاريخ وباعوا جل موارده للاجنبي…كلما اقترب الشعب وثورته من استعادة ما نهبوه علا صياحهم …الدين الدين، لكن الله متم نور ثورته على شعب السودان ولو كره المتأسلمون….