هبطنا أرض الكنانة عند انتصاف الليل أول من أمس وعاصمتها الارتكازية تبدو تحتنا مثل شلالات من عناقيد الثريات العسجدية تتناثر ثم تتعانق والبرد يزمجر متحالفا مع المطر الصبيب في زيارتي التاسعة، حاملا منتجات سودانية معينة تحمل رحيق الوطن، منها التوابل، الملوحة’ الويكة، الشاي، المخبوزات، وغيرها.
في ميناء القاهرة الجوي يسأل عن كرت الحمى الصفراء فإن لم تحرص على حمله من السودان بت عرضة للحجز في الحجر الصحي، وهو متاح في مكاتب الخدمات رفق التذكرة، وكذا داخل المطار حيث لا يستغرق إجراء اللازم سوى نحو ربع ساعة.
هذا تجنبا للعرقلة في المنافذ المصرية، حتى لو كنت حاملا جنسية أجنبية مادمت قادما من ” سوداننا الحبيب فداؤه النفوس” كما كتب الدكتور مصطفى عوض الكريم في نشيد مدرسي جهير رددته الأجيال.
كنت في مطار القاهرة في عجلة من أمري لذا صرت في طلائع من بارحوا للحاق بموعد مهم لكني في غمرة الانشغال تركت عند سير تسلم العفش حقيبتي اليدوية، التي تحوي مبلغا معتبرا وما لا يقدر بمال غير أني لم أفطن لذلك إلا بعد ثلثي المشوار لقلب العاصمة فحدثت السائق وجلا، الذي عاد أدراجه وهو يتصل بمشرفي الصالة الداخلية والأمن بضرورة التحفظ عليها لحين وصولنا.
دخلت الصالة مشتت الذهن فاستقبلني مسؤولا الأمن بود ثم تحققا من المحتويات وعندما تيقنا من صحتها سلماني إياها وطالباني بالمراجعة ففعلت فكانت في تمامها ووقعت بالتسلم على محضر الواقعة ثم اندفعت خارجا ووجدت السائق الممتاز في انتظاري، الذي لم يتركني إلا بعد وضع أمتعتي داخل مصعد شقتنا الثالثة صباحا فأجزلت له الشكر والعطاء بعد أن مارست النقد الذاتي تجاه نفسي على التسرع المقرون بالإهمال و أخذت ” درس عصر ” مجددا في أهمية مراجعة الأمتعة في كل موقف ومرحلة خلال السفر بحرص في ضوء بيان مكتوب اكتسبته مبكرا من خالي، ولي أمري الأستاذ الباشمهندس نصر الدين صالح حسين.
عدت من الوطن الحبيب لمتابعة علاج شقيقتي أم الحسن الطيبة بشهادة الجميع بعد أن قضيت أسبوعا عابقا بعطور الخمرة والصندل مشرفا على زواج ابني، صديقي بسام الذي ارتبط بالدكتورة أماني قرشي .. آل تركمان وقناوي .. في مهد الحضارة كرمة والشجرة، التي رحبت بها قائلا:
” ستكونين في حديقة بيتنا زهرة أخرى، ولن تجدي منا إلا كل خير “، ليقيني أن احتضان الأسرة عضوة جديدة بروح مفعمة بالود كفيل بجعلها مطمئنة، متعاونة، كما يسهم في جعل العشة الجديدة مدعمة بالثبات والنبات.
نسبة لوصولي في وقت وجيز لم تسمح لي الظروف بتوجيه دعوات مباشرة لكل الأحباب غير أنهم قدروا وشاركوا، حيث توافد المئات في ليلة الحنة في بلاد الحاج يوسف أثيرتي وطربوا على صوت فناننا النوبي المبدع الشفيع كيخا، حتى الناطقين بغير النوبية.
وفي الليلة الكبرى في صالة النيل دوم في المنشية التي امتلأت على سعتها على إبداع الفنان اللطيف سامي المغربي فاق الحضور ألفا فقد شرفت وفود البلد .. دلقو وعبري .. وعطبرة وبورتسودان والجزيرة، بجانب زملاء العريس الأطباء الصيادلة، الذين عاصروه خلال المرحلة الجامعية في الهند والعليا في الفلبين والعملية في أمريكا، الذين أحاطوا به طوال الوقت في محبة غامرة، بل طافوا به محمولا على الأعناق وشرفونا في بلاد الحاج يوسف ومسكننا الجديد في المعمورة، بل بقي بعضهم حتى وداع العروسين في المطار في طريقهما للقاهرة لزيارة عمته ثم السفر لإندونيسيا، لقضاء شهر العسل، في منتجع بالي الشهير.
وفي الليلتين الماتعتين سبح عشاق الجمال في دنياوات الطرب الراقص وحلقوا في سموات الهيام.
أما أحبابنا في الخرطوم فلم تحل معضلة المواصلات دون مشاركة كثيرين جدا، حتى إن أحدهم جاء يقول إنه مشى نحو نصف المشوار راجلا من أمبدة حرصا على التشارك.
لكل هؤلاء وأؤلئك، وللذين نووا ومنعتهم الظروف ودعموا بالدعوات الرطيبة، وللمتصلين بشتى صور التواصل مباركين، وللأحبة الباشمهندس عبد المطلب إدريس، ناجح أبوعلي، عبد الرحيم محمد عبد الرحيم فرح .. جدو، وبقية العقد الفريد، الذين رتبوا التحضيرات في غيابنا أنحنى عرفانا.
جعلنا الله متضامنين، متكاتفين، متحابين في كل مناسباتنا.
وعقبال العذارى وكل الشباب
فبهم تمتلئ السوح نضارة وحضارة.
واحتشدت عشرات المنابر والمنصات الاتصالية التي أعتز بعضويتي فيها بأغاريد التهاني وزغاريدها، وفي قروب عزيز امتلأ بالتبريكات والتمنيات عقبت مداعبا:
حسنا .. خلينا نفرح بالعيال ” اللي كبرت ” لحد ما يجي دورنا!
صفحة أشواط العمر في فيس
القاهرة