بمناسبة إرتفاع موجة التباكي على الحالة المعيشية للشعب السوداني وتُفاقم الضائقة الإقتصادية ، والتي أصبحت رايةً رئيسية ترفعها فلول النظام البائد المُندحِره وجوقة الطفيليين المنتفعين من آلة الفساد التي أوشكت على السقوط أو كادت ، يهمني أن ألفت إنتباه الشعب السوداني الذي أصبح لا يحتاج إلى تنبيه بعد أن أشرقت في أركان الوطن شموس الحرية ، إلى أن هؤلاء المتباكين كانت أول طعناتهم في خاصرة الشعب السوداني تآمرهم في العام 89 على نظام الحكم الديموقراطي الذي أرساه الشعب بإرادته الحُرة ، حين إنقلبوا بليلٍ حالك الظُلم والظلام على مُقدَّرات الشعب و(إستكبروا) على إرادته الحُرة وتضحياته من أجل الكرامة والحرية والعدالة والسلام المُستدام ، فأقَّروا يوم ذاك أول خطيئةٍ في إستراتيجية حكمهم البغيض وٍتحت عنوان عريض يمكن إختصاره في جملة (إستهوان الشعب السوداني والتقليل من شأن إعتداده بكرامته وكبريائه) ، وذلك حين دشَّنوا ما أسموهُ قيَّماً ومبادئاً تستهدف الإسلام تحت شعار التوجُّه الحضاري الجديد وِفق ما عرَّفوه (بفقه المخادعة) حين قال شيخهم للمخلوع إذهب للقصر رئيساً وأذهب أنا للسجن حبيسا ، حينها كانت خطتهم الإستراتيجية أساسها (الإستعلاء) على هذا الشعب المغلوب على أمره و(التذاكي) على فطنته ووعيه السياسي ، فلماذا نستغرب اليوم ما يهيمُ فيه من مسغبة وشظفٍ في العيش؟ وشيخهم نفسهُ يعترف في لقاء تلفزيوني بقناة الجزيرة بأنه قد (أودع) الرئيس المخلوع أمر البلاد والعباد ومستقبل الوطن وأمان الأمة وهو(لا يعرفه) ولم يلتقيه يوماً قبل تنفيذ الإنقلاب المشئوم ثم من بعد عقودٍ مُضنية عرف الشيخ ثم من بعده الشعب السوداني من هو الرئيس المخلوع وكيف قصرُت قامته فكراً ومنهجاً وأخلاقاً عن تمثيل هذا الوطن العظيم وهذه الأمة الشامخة ولكن بعد فوات الأوان ، أيي (إستهوانٍ) بأمر هذا الأمة المجيدة وأيي (إحتقار) يمكن أن يصيب هذا الوطن الشامخ أكثر من التأمل في هذا السيناريو (المحزن) والمُخزي والمثير للغثيان.
وتتوالى محاولاتهم في (تجريح) الشعب السوداني بإصرارهم وإستماتهم في المراهنة على (غبائه) و(ضُعف إيمانه) من باب أنه سيظل يُلدغ من نفس الجُحرٍ مراتٍ ومراتٍ ، محاولين إلهائنا بمعاناتنا الحالية المُتمثِّلة في ضغوطات الحياة التي كانت صِنعة أيديهم وجريرة ما شيّدوه من صروحٍ شاهقة بالظُلم وتجاوز القوانين والأعراف والأخلاقيات والقيَّم الإنسانية ، هم من دمَّروا إقتصاد السودان عبر تسخير مشاريعه وموارده لمصالحهم التنظيمية والشخصية فأصبحنا بين عشيةٍ وضُحاها نتسوَّل الدول والمُنَّظمات وهم من رعوا غول الضائقة المعيشية عبر تغذيتها بالجشع التجاري وإضرام الحروب للبقاء في السلطة وعبر الحصانات والإمتيازات التي إستأثرت بها شركاتهم ومؤسساتهم المملوكة لنافذيهم والتي من خلف السُتر يقتات بفتات خيراتها من مكَّنوا لهم وساندوهم من النفعيين وبائعي الضمائر ، نهباً وإستزادةً في الثراء من قوت الشعب ولا عزاء للكادحين ، سيصبر هذا الشعب على بلاء الضائقة المعيشية ليس حُباً في حمدوك ولا أعضاء حكومته ولا حاضنتها السياسية فقط ، ولكن (أملاً) و(تطَّلُعاً) في أن ما يحدث الآن هو (آلامُ مخاضٍ) ستُنبيء عن ولادة مستقبلٍ مُشرق لهذا الوطن وشعبهُ الذي يستحقُ ما يفوقُ تطلعاتهِ وآمالهِ العِظام.