بعيداً عن مغالطات (حوارات) سد النهضة، الفنية واللوجستية والسياسية، نحاول هنا، أن نؤسس إلى حوار من نوع آخر، نمر فيه لمماً.. على النواحي.. الزراعية، الجغرافية، المناخية السياحية، نرحل فيه إلى مدن المياه، وتجارب القنوات المائية، والاستمطار والواحات، وجزر التماسيح، مجرد خيال مشروع، لوطن حظي بثورة تغير طريقة تفكيره، بالاستهداء بالتجارب والتفكير خارج الصندوق.
ما همنا أن قام زيد أو قعد، في محادثات سد النهضة، بالأمهرية ما يهمنا أن نفكر بطريقة مغايرة للتفكير القديم، لنحصل على نتائج مغايرة. سد النهضة، فرصة لهبة جديدة للنيل، وخارطة استثمارية للعديد من المشاريع العملاقة، كيف يمكن الاستفادة من ترويض النيل لشق ترعة نحو عاصمة جديدة، ومدن سياحية، أن تشرب (عروس) البحر الأحمر من فيضه، ويحتضن النيل الأبيض، سهول ومراعي غرب السودان، أن نصنع بحيرة، ومدينة للتماسيح في بحيرة (النوبة)، ونرفدها بمنتجعات سياحية وعلمية عن حضارة النوبة، ودراسة (تماسيح) النيل، فالنيل في مصر صافية مياهه مروضة. استطاعوا الاستفادة من ذلك، بشق الترع وإقامة مدن جديدة والاستفادة من التبخر، وكما هو مخطط في الوقت الحاضر، فإن البحيرة التي وراء هذا السد، ستخزن 74 ونصف مليار متر مكعب، إضافة إلى فقدان مليار متر مكعب من خلال التسرب، وفقدان 5 مليارات متر مكعب بسبب التبخر وفقاً لتقديرات علمية. والمعروف أن النيل الأزرق يمر بـ 3 دورات كل 20 عامًا، الأولى تعرف بـ”السبع السمان”، حيث يكون هطول الأمطار غزيرًا. والثانية تكون نسبة هطول الأمطار فيها متوسطة، وتبلغ 6 سنوات. أما الدورة الثالثة فتدعى “السبع العجاف” التي تنخفض فيها نسبة تدفق المياه. اللهم جنبنا (السبع) العجاف، بالرؤية الحسنة.. وألهمنا حكمة (يوسف) عليه السلام (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) صدق الله العظيم.
يخرج النيل من بحيرة فيكتوريا، مسطح مائي (٦٨٨٧٠) كيلو متر مربع، متوسط عمق (٤٠) متراً ولك أن تتخيل، هذا العنفوان عند مدينة (جنجا)، حيث تم تشييد سد (أوين)، وتلته سدود، بوجقالي، كاروما، تعول عليها يوغندا اقتصادياً لمد جيرانها بالطاقة الكهربائية النظيفة، وأصبحت بفضل ذلك مدينة سياحية تدر ملايين الدولارات، هذه الاستفادة المرجوة من سد النهضة مداخيل اقتصادية، في مورد يتسابق العالم لحصد موارده بل تعيش دول عليه، وتعتمد اعتماداً كلياً على المورد السياحي، الذي يسهم بفعالية في تنويع مصادر الدخل، وتعزيز المحتوى الاقتصادي المحلي بتعزيز الميزة النسبية والتنافسية لولايات السودان، فيستفيد الاقتصاد السوداني والأثيوبي، بتوحيد الحزم السياحية من وإلى وبين الدولتين؟ فسد الألفية معلم عالمي بارز، سيتدافع السياح له من كل أنحاء العالم، إضافة إلى الطاقة الكهربائية النظيفة التي يحتاجها السودان، بعد ثورة القرن (6000) ميجاوات قدرة إنتاجيّة لسد النهضة ليحتلُّ المرتبة الأولى في أفريقيا، والعاشرة في العالم ضمن قائمة أكبر السدود إنتاجاً للطاقة الكهربائيّة. وسيتضاعف إنتاج الكهرباء بسد الروصيرص بنسبة 20-60 % باكتمال سد النهضة. علماً أن سعة سد النهضة 10 أضعاف سد الروصيرص وأقل من نصف سعة السد العالي في مصر. إضافة للاستفادة من (6) مليارات متر مكعب من حصتنا المهدرة شمالاً، بدون حاجة للتكلفة المالية والبيئية والبشرية لإنشاء سد. حيث تعم الاستفادة. ويمكن أن نحول زراعة الجروف التي سنفقدها إلى زراعة دائمة، أضف إلى ذلك ما سيكشف عنه المستقبل، حيث المياه (بترول) الحاجة، حسب ما أدلى به الباشمهندس ياسر عباس وزير الري والموارد المائية. قائلاً (نحن حكومة الثورة فعندما نفاوض على موضوع سد النهضة فنحن مدعومون بشرعية شعبنا).
وها قد اتفقت الدولة الثلاث (السودان، أثيوبيا، مصر) برعاية أمريكية، وستشهد الساحة التوقيع، لينتفع الجميع بهبة النيل. حتى لا يصبح حجر عثرة، في طريق التعاون الأفريقي، ويفوز الجميع، وكان البيت الأبيض قد أصدر بياناً، أعلن فيه دعم التوصل إلى اتفاق تعاون مستدام ومتبادل المنفعة بشأن تشغيل سد النهضة. وشدد البيت الأبيض على حق جميع دول وادي النيل في التنمية الاقتصادية والازدهار والقبول الكبير والعلاقات الجيدة بين أمريكيا وأطراف التفاوض أهلت الولايات المتحدة، أن تلعب دور الوساطة.. لا سيما.. وأنها حريصة على أن تجد موطئ قدم ثابتة، في القارة الأفريقية، وهي تعلم وترصد (بيادق) الشطرنج من الجانب الروسي مباشرة، ناهيك عن تطلع التنين الصيني، إلى القيام بدور فاعل في القارة السمراء، هنا يبدو المجال مفتوحاً أمام واشنطن، خاصة وأن لديها تأثيرات قوية على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي عاش جل عمره على الأراضي الأميركية. ووفقاً لتقرير لمؤسسة “ستراتفور” الاستخبارية الأميركية الخاصة، نجد أن المتعهدين الروس ومنذ الظهور بشكل رسمي في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2018، يعملون جادين على تفعيل دور موسكو في كافة العواصم الأفريقية، ورفع سقف طموحات موسكو في أفريقيا، في منافسة لا تخطئها العين لدور واشنطن وبكين والأدوار الأوربية القديمة.
(فيض أم غيض).. لست من أنصار ابتسار المعاني في أم القطعية.. ولكن مع استمرار الحدث والتبشير بمولود جديد يحمل ملامح ثورة القرن، فيض من سماء التبخر، ودفق من رحم النماء، ومخاض نحو خصوبة جديدة للأرض والإنسان، في السودان وأثيوبيا ومصر.. (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) صدق الله العظيم.