حين مرض رئيس جمهورية فرنسا السيد فرانسوا ميتران بالسرطان لم يذهب للعلاج إلى بلد آخر بل تعالج في بلده، على العكس من العديد من الحكام العرب والموسرين الذين يسافرون إلى الغرب طلباً للعلاج أو لإجراء فحوصات طبية.
والسؤال هو: لماذا لا يقومون بجعل مستشفياتنا أماكن راقية للعلاج؟ ماذا ينقصنا لتكون مستشفياتنا في المستوى الطبي الراقي لتلك التي يرحل (الحكام والوجهاء العرب للعلاج فيها)؟ الطبيب العربي يتفوق حين تتاح له الفرصة لذلك. والأجهزة الحديثة المخبرية لرصد المرض يمكن الحصول عليها لمستشفياتنا. (ريثما نصنعها محلياً مثلهم!)
وكل ما ينقصنا هو أن يقرر الحاكم العربي وأثرياء البلد أنهم سيتعالجون في وطنهم إذا مرضوا ولن يرحلوا لذلك إلى الغرب، إذ لا شيء ينقصنا إلا النية لجعل بلادنا أماكن صالحة للعلاج، وراقية في الحقول كلها.
المتبرع لمستشفى في باريس!
ذهبت مرة لزيارة صديقة لي مريضة في مستشفى في ضاحية نويي الباريسية. والمستشفى شهير ويؤمه الكثير من العرب الموسرين. ولفتتني في المدخل لوحة تذكارية حول تبرع أحد الموسرين العرب للمستشفى بمبلغ كبير من المال (وإلا لما وضعوا لوحة تذكارية حول ذلك)!
والسؤال هو: هذا الثري من أصل فلسطيني، لماذا لم يتبرع بالمال لتأسيس مستشفى في بلده الأم، وهو فعل محبة نحو الوطن؟ والشيء ذاته ينطبق على الحاكم العربي أياً كان، الذي يمكن أن ينفق المال على تأهيل المستشفيات في الوطن، بحيث لا يرحل أحد لطلب العلاج في الخارج، وهو أقل ما نفعله للتعبير عن حبنا لأوطاننا. والمال الذي ينفقه حاكم عربي ما وحاشيته مقابل سفره إلى مستشفى في الغرب يستحسن إنفاقه على تحسين وضع مستشفياتنا!
الرقيب العاشق
وأعني بالرقيب العاشق أي كاتب أو قارئ يستفزه الخطأ الفادح في اللغة العربية، وأذكر على سبيل المثال راشد عيسى الذي يقول: «لم يعد المرء يفكر في أخطاء اللغة عند مذيعي التلفزيون، فمن فرطها يفضل أن يسلم أمره»، ولكن راشد أعلن رفضه للخطأ حين استضافت نجمة تلفزيونية معروفة جداً في أحد برامجها سيدتين، قائلة: «المشهد هذه الليلة مع سيدتان».. وبعد سطر واحد أضافت: «أهلاً وسهلاً بالضيفتان».
ولن أذكر اسم مقدمة البرامج الكبيرة، لأنها ليست المقصودة وحدها، بل طلب الرحمة للغتنا العربية أمام أخطاء من نمط نصب المجرور وما شابه، أي أخطاء على حافة الخزي أمام لغتنا العربية التي يعتاش البعض من التكلم بها في الإذاعات والتلفزيونات. وأعتقد أن وجود المدقق اللغوي في كل منبر صحافي أو تلفزيوني أمر ضروري.
أهلاً بالمدقق اللغوي
حملت لي إحدى الصديقات الكويتيات عدداً من مجلة «البيان» الأدبية الشهرية الصادرة عن «رابطة الأدباء الكويتيين»، وقرأت اسم المشرف العام طلال سعد الرميضي، ورئيسة التحرير عائشة الفجري (وسرني أنها امرأة!) وسكرتير التحرير عدنان فرزات، والإخراج الفني محمد الخطيب، لكنني توقفت طويلاً أمام عبارة «التدقيق اللغوي: خليل السلامة».
نادرة هي المجلات العربية التي تحمل لقب «التدقيق اللغوي»، وهذا جميل، ولغتنا العربية تستحق منا الاحترام وتحاشي الخطأ قدر الإمكان، والإعلان عن وجود «المدقق اللغوي» أمر نادر في زمن تتكاثر فيه الأخطاء اللغوية كالجراثيم: المذيع ينصب نائب الفاعل، والسياسي ينصب الفاعل، والنصب على اللغة العربية مستمر. ومن الجميل حضور مدقق لغوي يذكرنا بأن لغتنا تستحق الاحترام والإتقان.
وتحية إلى «مجلة البيان» لأنني لم أقرأ في أي منبر عربي آخر اسم المدقق اللغوي جنباً إلى جنب مع اسم رئيس التحرير في الصفحة الأولى من المجلة. فكلنا يخطئ أحياناً، لكن وعينا بأن الخطأ إساءة للغتنا العربية يدفع بنا إلى محاولة واعية لتجنبه.
أما عن الأخطاء في أحاديث رجال السياسة وخطبهم، فسأتحدث عنها في مناسبة أخرى، فالحديث عنها يطول ويجرح. ولا أدري كيف يمكن لناطق باسم وطن ألا يتقن لغة ذلك الوطن على الأقل.
ضد تحقير الرجل
ثمة إعلان عن عطر جديد من إحدى الشركات الفرنسية الشهيرة لصناعة العطور، ومعظم عطورها هي بحق جميلة..
لكن، لسبب ما، الإعلانات عنها في التلفزيونات الغربية رديئة جداً في نظري.
ففي عطر كان جديداً، سبق أن أصدرت شركة العطور ذاتها قبل أعوام إعلاناً عنه، وأغنية الإعلان هي للمغنية الأمريكية نانسي سيناترا، ابنة الشهير فرانك سيناترا. صوتها عادي وليس رديئاً، أما الأغنية التي تنشدها فرديئة في نظري، إذ تقول كلماتها: هذا الحذاء (الجزمة) صنع للمشي، وهذا ما سأفعله وسأمشي به فوقك.
لم أفهم لماذا تريد أن تمشي بحذائها فوق رجلها، ربما كانت لديها أسبابها الخاصة، ولكن لماذا تبنت شركة العطور الراقية الشهيرة هذه الأغنية لترافق الإعلان عن عطرها القديم كما الجديد؟ وهل تتوهم أن كل امرأة تتوق (للمشي) بحذائها فوق رجلها، وبالتالي ستتبنى هذا العطر؟ ومرت الأيام.. واليوم وقد أصدرت دار العطور الشهيرة هذه عطراً جديداً رائع الرائحة، أدهشني أن الإعلان عنه تضمن هذه الأغنية التي تتضمن تحقيراً وإهانة للرجل حين تتبناها شركة عطور!.. من طرفي، قررت مقاطعة هذا العطر الجميل احتراماً لإنسانية الرجل.
نعم، الإعلانات مؤثرة
قد يقول البعض إن الإعلانات لا تؤثر في أحد، ولكن ذلك ليس دقيقاً. ثمة إعلان عن سيارة مثلاً شاهدته قبل عقد من الزمن على الأقل ولا أستطيع نسيانه، يمثل شابة جميلة في مقهى تتأمل سيارة خلف النافذة توقفت على الرصيف أمامها، ولشدة إعجابها بها لم تنتبه إلى عنكبوت الرتيلاء السوداء المرعبة التي كانت تمشي على عنقها. من طرفي، نسيت اسم السيارة (وماركتها) التي دفعت الشركة آلاف الدولارات لنشر هذا الإعلان المتلفز على الشاشة عنها، وكل ما يتذكره المشاهد منه هو تلك الرتيلاء المرعبة على عنق الشابة حتى لينسى تماماً السيارة المعلن عنها. بعبارة أخرى، المبالغة في جذب المتفرج قد تنجح، لكنه ينسى الغرض من الإعلان… ويصير الإعلان ضحية لنجاحه! والمهم خلق التوازن بين اجتذاب المتفرج وموضوع الإعلان. واستفزاز الأغنية التي تقوم بتحقير الرجل نجحت في جعلي أنسى العطر الذي تقوم بالترويج له.
الإعلان مهم وإلا لما دفعت الشركات آلاف الدولارات لعرضه دقائق على التلفزيون. لكن تحقير الرجل منفر، كما المبالغة في الإعلان والتذاكي، حتى لينسى المرء أصلاً موضوعه، كما أنستنا تلك الرتيلاء السوداء المرعبة على عنق الشابة ملاحظة (ماركة) السيارة الجديدة المعلن عنها!