هون عليكم يا أخوان النظام السابق…
هل تريدون لخراب إمتد لثلاثين عام أن ينقطع أثره في لحظة واحدة فقط؟ ؟ وهل تظنون أن الشعب سيصدقكم عندما تقولون أن ثلاثين عام من الحكم القائم على العزل والتشنج والإنفعال والخرافة، ومن العزلة الدولية، والخراب البنيوي في جسد الدولة السودانية، وفي مفاهيم الحكم والعلاقات بين الحاكم والمحكوم؛ أتظنون أن الشعب سيصدق قولكم بعجز القائمين على الحكم الآن.
لابد أن لهذه المدة الطويلة من الحكم البليد، والإدارة الشاذة، ومن غياب العقل وضيق الأفق والمزاجية في شئون الحكم، تأثير كبير على الاقتصاد الكلي، وعلى حياة الناس، وعلى بنائهم المزاجي وسلوكهم السياسي وعلاقاتهم الإجتماعية.. كما أن لذلك أيضاً تأثير مباشر على الأداء العام للدولة وعلى الإنتاج في مختلف أنواعه، وبالتالي علي إقتصاد الدولة الكلى. ويمتد الأثر الي القيم الإجتماعية والايمانية في ظل المعاناة اليومية ومطارة اساساسيات الحياة، كما أنه سينعكس بالتالي على الإنضباط السلوكي العام وينتهي إلى مظاهر التواكل والتقاعس عن العمل والي قلة الانتاج؟؟
مالكم كيف تحكمون!!!!!!!!!!!! …
في زمان حكم التيه والجنون والغطرسة الجاهلة، كانت الدولة تدار بالأماني والظنون وبالخرافة، وتُلجَّم إرادة الشعب بالقهر والسلطة الباطشة. أما الآن في عهد الحرية فإن الفرص متاحة لعودة الوعي والبصيرة. لم يعد أمر الحكم يُدبر في الخفاء، وحتى لو تم ذلك سوف يتم كشفه حالاً؛ والحال كذلك فإن الدولة الآن لا يمكن أن تدار إلا بالعقل ووفق الوقائع التي يمكن حسابها، والتي لا مناص من قولها مهما كانت درجة سوئها، لأن ذلك من ضمن المسئوليات على الحاكم في العهد الجديد، والحساب ولد والشعب شريك أصيل في هذه المسئولية، والشعب صاحي وهو حر وغير مقهور أو مكبَّل، وكل السلطات تنتهي عند الشعب ولن يصمت على تغييب أو على أي وعد كاذب..
في عهد الجبروت وحكم الفرد والجماعة القليلة، يراد للناس أن يكونوا مغيَّبين، والحاكم المستبد مُلزم أن يوفر كل شئ حتى لا يخرج عليه الناس، في عقد غير معلن أساسه: نقبل قهرك لنا مجبرين، وتلتزم أنت وحدك بتوفير إحتياجاتنا. أما الآن في عهد الحرية يجب أن تتحمل كل جهة مسئوليتها. فالحكومة مسئولة، والشعب مسئول بشكل فردي وبشكل جماعي في إطار تنظيماته المختلفة، ويجب بناءً على ذلك أن تتحمل كل جهة مسئوليتها حيثما كانت وتُسأل عن ذلك.
لذلك فان أي حديث جائر وأي دعوة للخروج على الحكومة القائمة التي جاء بها كل الشعب، من خلال ثورة شهد عليها كل العالم، وأصدر فيها الشعب حكمه القاطع بسوء النظام السابق وقرر ونفذ إسقاطه؛ هو خروج على نظام كل الشعب وعلى دولة الحرية، وهو خروج على دولة الجميع. هو خروج على الحاكم وعلى المحكوم وهو إنكار للعقد الجديد فيما بين الشعب والحاكم والدولة، والذي بدأ الوعى به يتشكل تدريجياً وهو الي بيان ورسوخ لا محالة..
والمؤمل أن يكتمل الوعى الكامل بهذا العقد الوطني عاجلاً، ويجب أن يكون العمل من أجل ترسيخ هذا الوعى واحداً من المهام الأولى لمنابر تشكيل الوعى الجماهيري عند القوى المدنية والسياسية والمجموعات الثقافة والإعلامية. يجب أن يكون ذلك إحدى أهم السياسات الإعلامية لحكومة الفترة الإنتقالية، ويكون ذلك ملزماً لجميع قنوات التواصل الرسمية والخاصة في الدولة من صحف وقنوات فضائية ومحطات الراديو، وأن تفرد وزارة الثقافة والإعلام لذلك منشور واضح. وأن يضمن ذلك في مناهج التعليم بالمراحل المختلفة حتى يتشكل المفهوم السليم للمسئوليات في اذهان الشعب كله. فان الأمم والدول يحميها ويقود نهضتها الوعى قبل السلطة..
إن أي محاولة لتشويه صورة العهد الجديد، فوق أنها خيانة للتضحيات التي بُذِلت، والآمال المنتظرة من هذا التغيير المبارك، فإنها تشكل محاولة خبيثة لإيقاف وتيرة الوعى الجماهيري المتزايد، وتعرقل وصول هذا الوعي الي المعرفة الكاملة بأسس العقد الجديد بين المواطن والحاكم والدولة؛ والذي لكل طرف فيه مسئولية ذات دور مركزي في تحقيق الإستقرار ومن ثم النهضة الوطنية الشاملة.
إن أي محاولة لضرب وعرقلة قطار التغيير قبل الوصول إلى الغايات المرجوة، يجب أن تعتبر خيانة تستوجب الكشف عنها والعقاب الرادع عليها. والذين يقومون بهذه الأنشطة إنما يستهدفون عرقلة وصول الناس الي درجات عالية من الوعى والإحساس الذاتي بحدود المسئوليات فيما بين الفرد والدولة والحكم. وأمر الوعي مهم جداً في إنجاح المرحلة وفي إنجاح مرحلة العبور وصولاً الي النهضة الوطنية الشاملة. ومسألة الوعى بالمسئولية وشكل العلاقات هي بلا شك أهم شرط لنجاحنا في تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة. لأنها تنتهي لامتلاك المسئولية الفردية تجاه حماية النظام المشترك الي أن يعبر ويتجاوز المطبات التي تنشط فيها المجموعات التي كانت تتحكم في الدولة..
إذن الصراع الآن في حقيقته صراع بين المفاهيم القديمة والمفاهيم الجديدة للمسئوليات الفردية في إطار الدولة والنظام المأمول. وهي أيضاً تجذير لإختلاف المفاهيم حول المسئوليات والأدوار فيما بين الحاكم والمحكوم داخل الوطن الواحد. إن تحديد المسئوليات مهم جداً لسلامة العلاقات، والذي يؤدي الي الإستقرار الإجتماعي الذي هو عامل مهم في إحداث التنمية والأمن الإجتماعي والحياة الكريمة للمواطن، والذي سيقود بالتالي الي قوة الدولة وقدرتها في حماية حدودها وامتلاك ثرواته وفي التأثير في موقعها الإقليمي وبين الأمم..
على الذين ينشطون بوعى وغير وعي وعلى الحكام وقادة المجتمع أيضاً إدراك هشاشة المرحلة. وعلي دعاة الردة أن يحترموا عقول الشعب حتى لا يضيعوا على الوطن هذه الفرصة التاريخية.
مطلوب من حكومة الفترة الانتقالية تنظيم الورش ليقوم قادة المجتمع والدولة بترتيب الأولويات الوطنية، حتى لا ينشغل قادة القوي المدنية والسياسية وقادة الحكم بالصراخ والأنشطة الهدامة هنا وهناك، ويضيع رتيب الأولويات المناسبة للمرحلة التي يمر بها الوطن، في ظل مطالب الجماهير الملحة وأنشطة الثورة المضادة. وعلى الحكومة التعامل بحسم مع الذين ينشطون في إطار تلك المحاذير سواء كانوا من الثورة المضادة أو من بين الثوار المغيبين أو الموجهين بخبث..
الواقع المأزوم الذي تركه النظام المهزوم واقع مدمَّر وغير صالح، ويجب أن يقف الوعى الجماهيري على الحقائق. فقد كانت الدولة في آخر أيام الرئيس المهلوع تسيِّر بالشحدة بعد أن تدنت وتيرة الإنتاج وكانت كل الصادرات تذهب إلى جيوب المحاسيب.. وحتى الشحدة ما كانت تتعدى عطية مزِّين، أما الآن فإننا ندير شئوننا بما نمتلك من موارد، وهي مهما كان حجمها، فهي الموجود الذي بين ايدينا، وعلينا أن نعيش وفق هذا الوضع الإقتصاد، الي أن تتزايد صادراتنا تدريجياً وينصلح حال اقتصادنا الوطني ويتم إنهاء الفساد وتتحسن المعادلات الاقتصادية وتنعكس على حياة الناس.
المواطن مطالب أن يتحمل رفع الدعم الكامل عن كل السلع حتى لا نضع مزيداً من الأعباء والأثقال على ظهر الإقتصاد الوطني الذي يعني العجز والان هاك، وهو يتعافى فنكبله من القدرة على الإنطلاق السريع، وعلينا أن نعمل جميعاً لزيادة الإنتاج والإنتاجية في إطار سياسية ممنهجة تتكامل فيها الأدوار بين الحكومة والمواطن..
إن إحداث النقلة الوطنية الكاملة هو تحدي كبير.. حمدوك لا يحمل عصا موسى. وقوي الثورة لم تأتي وبأيديها الأموال وإنما هم فقراء أبناء فقراء. والشعب خرج لأجل كرامته قبل حاجاته الأخرى، وهو مستعد أن يتقاسم القليل الي أن يصبح الصبح ويتحسن الإقتصاد. والشعب يمتلك إرادة التحدي ويمكن أن تحمل المزيد من الأعباء المؤقتة، والارادة هي أهم رأسمال في الطريق إلى النهضة الشاملة.
المطلوب الآن من الحكومة وخاصة وزارة المالية المزيد من الشفافية ووضع سياسة واضحة وعمل مكاشفات راتبة مع الشعب في برامج تلفزيونية، لتوضيح الحقائق حول الإقتصاد الوطني وحول الفرص المتاحة لتعافى الإقتصاد، وحول فرص زيادة الإنتاج، وحول تنمية الصادرات الوطنية. ولابد من تبني سياسات إقتصادية واضحة. ولابد من إشراك الشعب في تنظيماته المختلفة وفي دوائره المتخصصة المختلفة في برامج ومسئوليات التعافي الإقتصادي..