لم تكن المؤسسة العسكرية في حاجة إلى العناد وركوب الراس في مواجهة الشعب الذي رفض الإحالة للصالح العام في حق من حموا الثورة والثوار ، انحياز هؤلاء الضباط صغار السن ومن معهم من الجنود وضباط الصف للمعتصمين في ابريل كان هو التعبير المشرف للجيش والذي تأخر كثيرا جدا بعد أن سألت أنهر الدم وامتلأت السجون بالمعتقلات والمعتقلين وتحول السودان باكمله إلى زنزانة وبيت عزاء .
الثورة تعرف ابناءها وتعرف من وقف بجانبها ولن تنساه ، والجماهير لن تقبل في ظل انتصارها الثوري ان يتعرض الشرفاء إلى الفصل والتشريد بيد حكومة الثورة ، وهذا معلوم من الثورة بالضرورة فلماذا ارتكبت لجنة شئون الضباط هذا الفعل ؟! وحتى بعد أن اتخذت قرارها وصدر تصريح بعودة الامور الى نصابها من عضو مجلس السيادة محمد الفكي لماذا سارع الناطق الرسمي باسم الجيش للتصريح بأن عودة محمد صديق غير واردة وكأنه أراد مصادمة عضو مجلس السيادة ؟! مع العلم بأن الاستاذ محمد الفكي بنص الوثيقة الدستوريه من موقعه في المجلس السيادي يمثل القيادة العليا للجيش وتصريحاته اوامر لكل الضباط ماعدا زملاؤه في المجلس السيادي من العسكريين ، وليت الناطق الرسمي اكتفى بالتصريح بل عاد وأصدر بيانا رسميا عدد فيه المخالفات التي أدت إلى إحالة الملازم أول محمد صديق إلى الصالح العام ، وكأنه يصر على تحدي تصريح عضو المجلس السيادي وعضو القيادة العليا للجيش !! وهو تصرف لا يمكن تبريره بحماية لوائح الجيش ، فلوائح الوثيقة الدستورية أكبر وحاكمة على ما سواها.
ليس من مصلحة الوضع الانتقالي تعمد تفجير مثل هذه القنابل التي يعلم مطلقوها سلفا انها لن تكون محل ترحاب من الشارع ، كما أنه من غير اللائق في حق مجلس السيادة ان يصدر تصريح لعضو المجلس السيادي محمد الفكي فيتم الرد عليه من الناطق الرسمي للجيش بدل ان تعالج القضية داخل مجلس السيادة ويخرج فيها تصريح رسمي موحد يحسم الجدل الدائر عن موقف المجلس السيادي من هذه القضية .
قضية الضباط الذين حموا الثورة ليست قضية لوائح وإنما قضية شرف ، الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءا للوطن والثورة لا يسأل احد عن ماضيهم ولا يحاسبهم احد بما سلف ، فهم قد دفعوا الضريبة الأعظم وقدموا اغلى ما يملكه الإنسان فداءا للوطن والثورة ولذلك أصبحوا فوق النقد وفوق المحاسبة وحجزوا مكانهم في تاريخ الشرف والكرامة والوطنية ، وهذا ينطبق على الملازم محمد صديق فهو حين خالف التعليمات ووقف لحماية الثوار كان يعلم أن ثمن هذا الموقف قد يكون رأسه اذا لم تنتصر الثورة ، ولكنه لم يبالي ، لذلك لا يبالي الشعب اليوم بما ارتكب محمد صديق قبل موقفه هذا ، فإن موقفه هذا في عقيدة الشعب قد جب ما قبله .
القوات المسلحة ليست في حاجة لمزيد من الصراع مع الجماهير ، فهي مازالت في نظر الكثيرين مقصرة وخاصة بعد مذبحة فض الاعتصام التي وقعت على بوابة قيادة الجيش، ورغم ان الجماهير أظهرت تقبلا للجيش في الفترة الماضية الا ان بعض القرارات الغريبة تشعرك كانما هناك أيدي خفية تلعب بهذا الملف وتريد أن تضرب الشعب بالجيش في كل مرة ، وكأنها تهدف لشيء واحد فقط وهو انفجار المشهد كله وغلبة الفوضى .
تعرض مليونية رد الجميل لشرفاء القوات المسلحة اليوم لاي اعتداء أمني او عسكري سيكون بمثابة صب النار على الزيت وقد يحرق كثيرا من حسن الظن الذي بدأ ينمو في الشعب تجاه المؤسسة العسكرية ، وقد يقود مباشرة إلى ضغط شعبي بلا هوادة لإشراك المؤسسات المدنية في عملية هيكلة وإصلاح المؤسسة العسكرية وهي خطوة بلا شك سوف تزلزل اقدام الكثيرين من الذين ظنوا أن حصون الزي العسكري مانعتهم من غضب الشعب الجبار .
sondy25@gmail.com