مع انشغال الروس بتداعيات الضربة الأميركية على قاعدة «الشعيرات» العسكرية السورية والتلميحات الغربية المتواصلة إلى ضرورة تشديد العقوبات على روسيا، بدا أن متاعب الكرملين لا تقتصر على معسكر «الخصوم». إذ برزت أخيراً مؤشرات إلى اتساع مساحة التباين في المواقف بين روسيا وتركيا التي تحوّلت كما وصفتها الصحافة الروسية إلى «شريك مُتعِب».
وشكّلت المواقف التركية المرحّبة بالضربة الأميركية، والداعية إلى تعزيز نهج التعامل الحازم مع النظام السوري، الجزء المعلن من خلافات تراكمت على رغم حرص الجانبين على تجنُّب الإشارة إليها في التصريحات الرسمية، إلى درجة دفعت وسائل إعلام حكومية روسية إلى تأكيد أن الكرملين «فَقَدَ الثقة بأنقرة كشريك أساسي في مسار التسوية في سورية، كما في ملفات العلاقة الثنائية».
وكانت موسكو وأنقرة نجحتا منذ استئناف العلاقات بينهما في «تحييد» ملفات تختلفان عليها، أو «تأجيل النقاش حولها وتقديم المسائل المشتركة المتفق عليها»، وفق ديبلوماسي روسي. حتى أن الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان أعلنا بعد لقائهما في العاشر من الشهر الماضي، إطلاق مرحلة جديدة تستند إلى «الشراكة الحقيقية» و «التطبيع الكامل». ولكن، لم تمضِ أسابيع بعد ذلك، حتى عادت ملفات الخلافات لتفرض نفسها بقوة على العلاقة، وأُضيفت إليها مناورات من الجانبين أفسدت جهود التقارب.
وبدا الملف الكردي أساسياً في توسيع الهوّة، وإحباط مساعي التوصُّل إلى نقاط مشتركة للتعامل معه، خصوصاً بعد الدخول الروسي إلى منطقة عفرين. لكن التباين انعكس أيضاً على التبادل التجاري، وعلى ملفات ذات حساسية خاصة بالنسبة إلى موسكو، مثل الموقف من ضم القرم.
ونقلت حادثة استدعاء وزارة الخارجية التركية القائم بالأعمال الروسي في أنقرة نهاية الشهر الماضي، للإعراب عن قلق أنقرة إثر مقتل جندي تركي على الحدود مع سورية، الخلافات الخفيّة إلى السطح. إذ لم تفهم موسكو «العملية الاستعراضية» في حين كان بإمكان أنقرة الشكوى لديها، من دون منح المسألة صفة علنية محرجة. كما أن تركيا طلبت خلال اللقاء «إغلاق ممثلية حزب الاتحاد الديموقراطي في موسكو فوراً».
واعتبرت أوساط روسية أن أردوغان اعتقد بأن مقتل الجندي التركي فرصة مناسبة للضغط على موسكو، بهدف الحصول على مكاسب إضافية، على المسار السوري أو في العلاقات الثنائية.
وفي مقابل مناورة موسكو في عفرين، والتي يرى خبراء أن بين أهدافها قطع الطريق على محاولات أنقرة للتمدُّد في عمليتها العسكرية، ألغت تركيا خدمة تسيير العبَّارات إلى شبه جزيرة القرم، وحظرت على كل السفن الروسية التي تنطلق من مدن القرم الدخول إلى الموانئ التركية. وتعالت الأصوات مجدداً في أنقرة، معربة عن إدانة السياسة الروسية، بسبب عملية ضم القرم «غير القانونية»، وبسبب قمع تتار المنطقة.
كما بات أردوغان متّهماً بتعمُّد إفشال جولة المفاوضات الأخيرة في آستانة، عبر غياب المعارضة المسلحة السورية. وانتقلت لعبة شد الحبل بين أنقرة وموسكو إلى القطاع التجاري، الذي كان يؤمل بأن يكون بوابة التطبيع الأساسية. وفي مقابل مماطلة موسكو في رفع القيود على البضائع التركية، أغلقت أنقرة الأبواب أمام استيراد القمح الروسي، عبر فرض رسوم إضافية عليه، علماً أن تركيا تعد ثاني أكبر مستورد له، ما شكّل إرباكاً مفاجئاً لموسكو.
قبل أيام قليلة من الضربة الأميركية في سورية، لفت خبراء إلى أن كلاًّ من موسكو وأنقرة يعيش في مرحلة انتظار، حتى تتّضح السياسة الأميركية في سورية. واعتبر بعضهم لاحقاً أن التحرك الأميركي فتح شهية أنقرة لرسم رهانات جديدة، تختلف في اتجاهها ومضمونها عن المسار الذي رسمته روسيا وتركيا قبل نحو شهر.
الحياة اللندنية
الأربعاء 12 أبريل2017م