—————
حينما تستهويني الكتابة
اجد ذاتي في تلك الدائرة الوحيدة ضمن حلقات العمر المتماسكة ..
هي الوحيدة سلمت بنقائها من جور الزمن و فايروسات عصر العولمة و التقنية ..
مدرسة تلودي الأولية الشمالية:
هي محطة لن يتجاوزها قطار الزمن كمحطة أم روابة حيث السقيا من اعذب مياه كردفان الغرة …
كنت شقيا اذ جئت بكر إخوتي …
و تفتحت عيناي على حياة البداوة التي عشقتها و لا أعرف سببا لهذا العشق سوى أنني ولدت فيها ،
فكما يتغنى حمد الريح عن السواقي النايحة نص الليل .. حنين الدنيا ممزوج في بكاها …و عن التميرات البهبن ديمة راقصات في جروفنا ،
أدندن أنا بما حفظته من القيدومة :
خريف صبا تقيل علي بلا شخير
نامكير جود الفيل …
و بدلا عن رياح طين الجروف و ما يحمله بحر الدميرة .
تأخذني النشوة حينما امشي على الشوقارة حافي القدمين مستمتعا بريحة المطر و أريج نوار التبلدي الشامخ و شجيرات الكداد يتدلى نوارها الذي يحمل طيف قزح كما يتدلى الحلق من حلمات تلك الفتاة الصغيرة ..
ذات صيفا يحتضر راودت أبي فكرة قد غيرت مسار حياتي و لون وطعم طموحاتي ..
كان قبولي في مدرسة تلودي الأولية الشمالية حدثا في الفريق ..
كان التنافس قويا في القبول حيث لا يتعدى الفصل ٤٥ تلميذا .
اطفال يتوافدون من ريف تلودي الممتد شمالا و شرقا و جنوبا ..
يخفف من وطأة تلك المنافسة بعضا من مدارس عتيقة في ” كاودا” و ” هيبان” ..
لم يتم قبولي في أول محاولة اذ كانت الأفضلية لذوي الأصوات الغليظة الذين تهرول بهم الطفولة نحو الرجولة.
كدت ايضا ان افقد فرصة القبول في السنة التالية لأنني لا أحمل شهادة ميلاد و عمري يحسبه أبي بسنة ميتة فلان و التي قد مر بعدها سبعة او ثمانية خريفا …كما لم يساعدني حجمي النحيل و قامتي القصيرة .
نعم لم يقبلوني و لكن و بفضل عمنا رحمه الله التاجر خمجان من كبار اعيان تلودي و عضوا في لجنة القبول ولما تربطه بوالدي من علاقات وشيجة.
نصح والدي أن يسرع ويستخرج لي شهادة تسنين .
تحركنا فورا صوب مستشفى تلودي العتيق الذي تحفه أشجار الكتر المتشابكة المشتولة بعناية و خبرة ….
و المهذبة بمقض الجنايني الذي لم تسعفني ذاكرتي على أسمه .
نعم دخلنا و قابلنا الدكتور و سأل والدي ، ثم فتح فمي كما يفعل من يدخل الى زريبة المواشي ليبتاع خروف الضحية فيحسب اسنانه ان كان جدعا او رباعا او ثنيا …
ثم دون في نموذج معد ليضع ثلاث احتمالات لتاريخ ميلادي الغير موثق و ختم عليه فهرولنا به لدكان التاجر خمجان الذي بشرنا و نحن في صلاة جمعة ما بقبولي ..
جاء الرشاش و ساد عبق وريقات الأشجار الصفراء و هي أشبه بثياب بالية حال عليها الحول فخلعتها تلك الشجيرات لتكتسي بحلة الخريف الجديد ، هذه الاوراق المبلولة بمياه مطر الرشاش لها نكهة مربوطة بموسم بداية المرحال و المسار من الصعيد نحو القيزان في شمال كردفان حول ابو الغر و أبو قبة فحل الديوم ..
نواصل …
٣١/مارس ٢٠٢٠
الرياض