اسمحوا لي أن اكتب لكم اليوم في شأن ذاتي رغم أنه لا ينفصل عن الشأن العام وتداعيات كورونا اللعينة، وأنتم تعلمون أن الشأن العام ماثل في دواخلي منذ النشأة الأولى في مدينة الحديد والنار عطبرة.
معروف أن السودان تشكّل نتيجة اختلاط هجرات عربية وأفريقية من دول الجوار الإقليمي بل والدولي، ومن بين تلك الهجرات هجرة أجدادنا الذين نزحوا من صعيد مصير قبل استقلال السودان، ومنهم جدي أبوالحسن محمد الذي عمل في سكك حديد السودان، وأسهم مع آخرين في مد خطوط سكك حديد السودان، وبناء مباني بعض محطاتها.
استقرالمقام بجدي أبوالحسن في مدينة ودمدني في قلب الجزيرة، حيث وُلد والدي الشيخ مدني أبوالحسن، عليه رحمة الله، وسُمي على الشيخ مدني السني طيب الله ثراه .. عمل والدي في سكك حديد السودان في وظيفة محاسب صراف.
كان والدي كثير السفر إلى محطات السكك الحديدية بعربة صالون بها خزنة تحوي رواتب العاملين في هذه المحطات.. ولدت في عطبرة، وإن كانت هناك رواية غير موثقة تقول أنني ولدت في إحدى قرى قوص تسمى جراجوس موطن الجدود.
ترعرت في عطبرة في منطقة القيقر، وقرأت في خلوة الشيخ زين العابدين المجذوب، قبل أن ننتقل إلى بيتنا في قلب عطبرة قرب ميدان المولد والجامع الكبير، ودرست في مدارس البعثة التعليمية المصرية حتى المرحلة الإعدادية، ومنها انتقلت مع الوالد إلى بورتسودان، حيث أكملت المرحة الثانوية بمدرسة الثغر المصرية، ومنها التحقت بجامعة القاهرة كلية الاداب قسم الدراسات الإجتماعية، وحصلت على شهادة البكالريوس فيها.
أتاحت لي ظروف عملي باحثاً اجتماعياً بمصلحة السجون وصحافياً متفرغاً فيما بعد زيارة كل أنحاء السودان الواحد شماله وجنوبه وشرقه وغربه، واستمعت بالحياة الطبيعية التي مازلت أحن إليها؛ بعيداً عن العمارات الأسمنتية ودخان المصانع وعوادم السيارات .
منذ أن تفتح وعيي في عطبرة كنت أحلم بالحياة في قطية مثل القطاطي التي خبرتها في كردفان وفي دارفور .. ليس بها سوى سرير هبابي وزير وبرش بلا تلفون ولا كمبيوتر ولا تلفزيون ولا وجع قلب.
كما زرت مختلف أنحاء العالم الأفريقي والأوروبي والآسيوي قبل أن أصل في نهاية الطاف إلى بلاد الواغ واغ في هذه القارة النائية التي استمتعت فيها ببعض مظاهر حياتها الطبيعية والمجتمعية بصحبة دليلي المجتمعي في أستراليا صديقي المغفور له بإذن الله عباس محمد سعيد إبان زيارتي الأولى لها.
كنت أتطلع لاستكمال حلمي بالانتماء للعالم الرحيب الذي لا تقيده حدود، فقد كنت منذ سنوات عمري الأولى أحس بأنني سوداني عربي إفريقي مسلم إنسان أحلم بحياة منفتحة على الناس والعالم مثل الطيور التي خلدها الفنان السوداني الراحل المقيم مصطفى سيد احمد في رائعته “مع الطيور المابتعرف ليها خرطة ولا جواز سفر”.
“للأسف وجدت نفسي الآن بعد قرارات المسؤولين بولاية “نيو ثاوس ويلز معزولاً جسدياً في مساحة ضيقة لفترة ثلاثة أشهر، عزائي هذا الفضاء الرحيب الذي يربطني بكم في كل أنحاء العالم عبر الكمبيوتر والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل المجتمعية.
أسأل الله االرحمن الرحيم اللطيف بعباده أن يرفع عنكم وعنا وعن البشرية جمعاء هذا الوباء اللعين إنه نعم المولى ونعم النصير.