“كخطوة أولى خرجت من جميع قروبات الواتساب. وحقاً كانت تجربة ناجحة، ووجدت وقتاً للقراءة والتأمل والتفكير والاستماع للغناء الجميل، كما اعتدل ضغط دمي، وتحسن مستوى السكر فيه”، هذا ما قاله الزميل الصحافي الأستاذ محمد راجي، وقد وصل إلى نتيجة مفادها أن وسائل التواصل الاجتماعي أداة لبث الكراهية والبغضاء، وليس كما هو وصفها أداة تواصل اجتماعي، بل إنها –حسب راجي- “وفرت بيئة صالحة لنمو الروبيضات”، وفي الأسطر التالية ما كتبه:
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم
وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
تُلفى الأُمورُ بِأَهلِ الرُشدِ ما صَلَحَت
فَإِن تَوَلَّوا فَبِالأَشرارِ تَنقادُ
إِذا تَوَلّى سَراةُ القَومِ أَمرَهُمُ
نَما عَلى ذاك َمرُ القَومِ فَاِزدادوا
أبيات من قصيدة طويلة للشاعر الجاهلي الأفواه الأودي أتذكرها واسترجعها كلما تابعت الآراء والتعليقات المبثوثة على مواقع التواصل الاجتماعي. فالناس في هذه الساحات فوضى لا سراة لهم. وليست المشكلة في الجهل والغي وإنما في التشبث بتلابيبهما عناداً والإصرار عليهما.
ولذلك كخطوة أولى خرجت من جميع قروبات الواتساب. وحقاً كانت تجربة ناجحة، ووجدت وقتاً للقراءة والتأمل والتفكير والاستماع للغناء الجميل، كما اعتدل ضغط دمي، وتحسن مستوى السكر فيه.
ورحم الله الأودي فقد اختتم قصيدته بأبيات رائعات:
حانَ الرَحيلُ إِلى قَومٍ وإِن بَعُدوا فيهِم صَلاحٌ لِمُرتادٍ وَِرشادُ
فَسَوفَ أَجعَلُ بُعدَ الأَرضِ دونَكُمُ وإِن دَنَت رَحِمٌ مِنكُم وميلادُ
إِنَّ النَجاةَ إِذا ما كُنتَ ذا بَصَرٍ مِن أَجَّةِ الغَيِّ إِبعادٌ فَإِبعادُ
والخَيرُ تَزدادُ مِنهُ ما لَقيتَ بِهِ والشَرُّ يَكفيكَ مِنهُ قَلَّ ما زادُ
وانا وبحكم تأهيلي وتدريبي ومهنتي منحاز بقوة للاتصال الجماهيري المؤسسي القائم على تحري الدقة، والمصداقية، والموضوعية، والشمول، وعدم الانحياز، وتخير المفردات النبيلة المؤدبة الخالية من القذف غير الماسة بالحياء العام.
وأرى ان حفاظنا على استمرار وسائل التواصل الاتصال المؤسسي هو حماية للإنسان في إنسانيته واجتماعيته وفطرته.
هذا النوع الجديد من التواصل جنون. وسينتهي بالناس إلى عدوات وبالشعوب إلى توتر وكراهيات. وسيصل إلى كراسي السلطة ألف ترامب، وستفتت الوحدات والاتحادات. تلك هي النتيجة الحتمية لما وفرته وسائل التواصل الاجتماعي وشبكاته من بيئة صالحة لنمو الروبيضات. وصدق رسولنا الكريم الذي لا ينطق عن هوى: «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خدّعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)، قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟ .. قال: (الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)».
ولعل صديقي الأستاذ فيصل محمد صالح – كعادته- كان الأكثر وعياً بيننا، فمنذ فجر الواتساب وضع خطاً أحمر، وقال: لا علاقة لي بهذا الوافد الجديد، وسأكتفي بالفيسبوك، ولم تزحزحه عن موقفه كل المغريات.
اختتم بالقول إن مئات الدراسات والبحوث الجادة صدرت خلال العامين الماضيين من مراكز بحثية عالية المكانة والسمعة تحذر من المخاطر المترتبة على التواصل الاجتماعي. وضمن هذا دراسة صادرة من اليونسكو، وأخرى من الاتحاد الأوروبي، تدرسان دور هذه الوسائل في نشر موجات الكراهية بين الشعوب، وتأجيج الحروب الأهلية، وإشعال موجات العنصرية والطائفية والشعبوية، وهو مجال بحث أصبح يعرف تحت اسم Cyberbullying and Cyberhate Speech Effects