كنت قد سجلت كلمة صوتية قبل أيام على صفحتى بالفيسبوك حول العلاقة بين كوفيد ١٩ والجائحات الثقافية الاجتماعية المعيقة لمقاومته في حقل ثقافات اجتماعية كثقافاتنا تنزع نحو تكريس قيمة التواصل الفيزيائي كقيمة أساسية للوجود الإنساني، بل وتجد في أشكال التعاضد والتواصل في الأفراح والأتراح وما بينهما وسيلة حية لإثبات ذلك الوجود بإشارة وتفسير بان جائحات مثل كوفيد ١٩ قد تمثل الكشاف البالغ الأضواء لطبيعة وتفاصيل الثقافة المحمولة والمعبر عنها سلوكياً في التفكير والعمل.
الآن يحدثني من يحدثني من المقربين والأصدقاء أن موجات الغضب تتصاعد وتتسع دوائرها لدى العديد من الأهل والأقارب الذين فقدوا ذويهم نتيجة المرض، ليس فقط بسبب العزل الاجتماعي الذي يتسع تدريجيا وأحيانًا بسبب عدم المصافحة والاختلاط، ولكن بنسبة المرض لأحبائهم، و كونه السبب المباشر للوفاة، تماماً مثلما سمعنا تسجيلات وإنكار أهل المريض القادم من الامارات إصابة رجلهم بكورونا في البداية وتهديدهم بمقاضاة اوزير الصحة الاتحادية أكرم التوم لنشره الخبر المريع قبل أن يثبت ذلك فيما بعد بوفاة امرأة من ذات الاسرة المستضيفة له كانت هناك.
نعم يتم النظر لكوفيد ١٩ كوصمة اجتماعية للأسف تتطلب الإخفاء والإنكار والمكابرة للإجراءات الصحية والتوجيهات الطبية بغرض محاربته، ويستخدمون الحيل وتدابير الغش الكامن في الثقافة الاجتماعية للحيلولة دون حدوث المقاومة الاجتماعية للجائحة.
بالطبع فان ما يحدث عندنا لا يحدث بانفصال عن العديد من التعبيرات الثقافية الاجتماعية ببلدان كثيرة بالعالم تنبذ الموجهات العامة للعلم ونتائجه.
كنا قد تابعنا قبل أيام رفض أهالي إحدى القرى المصرية دفن طبيبة متوفية بالمرض بمقابر القرية. وكنا قد شهدنا مقاومة بعض الأهالي الأحياء إقامة مراكز للحجر الصحي قرب أحيائهم. ما اثار انتباهي إلى الطبيعة الأسطورية الأشد تعاسة وقتامة في منظومة الوعى المضاد هو ما اطلعت عليه صباحًا من تسريب صحفي لبعض مراسلي رويترز عن ان قرية بإندونيسيا اضطرت إلى إخافة سكانها بالأشباح لمنعهم من الخروج، ولكنها وفيما بدا ان خطتها ورغم وجاهتها في ان الوعى المضاد لأهل القرية يؤمن بالأشباح ووجودهم الا أنها قد منيت بالفشل الذريع في مهمتها، إذ لوحظ ان أعداداً مقدرة من السكان باتت تخرج بغية مشاهدة ورصدالأشباح في حد ذاتها كما وصفت الوكالة الأمر.
نعم نحن الآن وفي الغالب نهتم باتباع وصفة حماية ما قد تبدو للحيلولة دون الوقوع في براثن المرض – نلبس الكمامات ونسرف في استخدام المعقمات، ولكننا اذا ما سمعنا صافرة لسيارة إسعاف لا نقاوم نزعات الفضول لمعرفة من المستهدف او المصاب للدرجة التي ننسى فيها محاذير الاختلاط والتجمع.
أما أبلغ مظاهر الكسر والإخلال بضرب النموذج والقدوة للمكافحة فقد توفر لي بمشاهدة رئيس مجلس السيادة في زيارة لحامية القصارف قبل أيام وهو يضع الكمامة لتغطية الأنف والفم، بينما يصافح بكل يسر وكرم الضباط والجنود الذين كانوا في استقباله لحظة الوصول.
السؤال : هل نحن نحوز على ثقافة متمردة على العلم ونتائجه وموجهاته؟ نعم يبدو ذلك في النسبة العظمى من السكان ولدرجة التفاخر والمفاخرة به علنًا وجهرًا وإماطة اللثام عن نوايا خفية وغامضة في الاحتفاظ بقيم وأعراف قاتلة وموحشة ازاء تطورات بات اتخاذ وضع الخصومة منها أمراً مدمراً للحياة نفسها في عمق مراكزها الحيوية.