أقول للسيد وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح: نعم نراهن على وعي المواطن، وهذا ما نتفق عليه معك، ولكن دعني اختلف معك فيما يتعلق بقولك إن الحكومة لن تمنع المواطنين بالقوة من الصلاة.
إن فرض هيبة الدولة من أهم أولويات أي حكومة، لأن
القرار الذي يُتخذ لتحقيق المصلحة العامة يجب أن يُحترم من الجميع شيخاً كان أم
صعلوكاً.
إن الإسفاف الذي أتى به أحد الشيوخ وهو على المنبر سفه
يجب أن تحاسب عليه الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، إذ كيف يسمح
لشيخ ينبغي أن يكون مثالاً في عفة اللسان أن يتلفظ بألفاظ سوقية، من دون مراعاة
لمشاعر المسلمين من صغار وكبار.
وكيف يسمح لشيخ أن يقيم صلاة الجمعة في تحدٍ سافر للدولة، ثم ينشر جهله بين مصلين يعدّون هم أيضاً مخالفين يستحقون العقاب، ثم يتمادى لنشر جهله كأنه انتصار عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا الشيخ لم يقف جهله عند حدود بلادنا، بل تجاوزها، وألمح إلى أن الله زاد انتشار كورونا في بلاد أخرى؛ لأنها منعت إقامة الصلاة، كأنه لا يدري مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”، وأنه يرمي الناس إلى التهلكة.
لقد وعدت أخي الوزير أن وزارتك لن تسمح بنشر الجهل،
بعد أن هوّن صحفيون منسوبون إلى النظام السابق من فيروس كورونا، وادعى بعضهم جهلاً
وتجهيلاً بأنه لا ينتشر في الجو الحار.
ويصل التحدي ذروته بخروج بعض المتظاهرين حاملين شعارات تدعو إلى عودة النظام البائد، وتندد بالثورة وتسخر منها، وهؤلاء بالطبع مدفوعين من الفلول والسدنة، الذين يمارسون تجارة البشر، ويستغلون عوز بعض الطبقات، وقد بدا ذلك من الوجوه المتعبة للذين كانوا يرددون شعارات لا يؤمنون بها.
كأن قادة النظام البائد الذين يتوعدون الحكومة جهاراً
نهاراً يتعمدون نشر الكورونا على أوسع نطاق، من أجل إحراج الحكومة، وإرهاق البلد
بأقصى ما يستطيعون.
وما يدعو إلى السخرية أن النظام البائد وشيوخه ما
زالوا يلعبون على وتر الدين، والادعاء بأن الحكومة الانتقالية ما جاءت إلا لتهدمه،
وهم الذين لم يتركوا باباً لتشويه الدين إلا وطرقوه.
وقد كشفت لجنة إزالة التمكين مدى الجشع والنهم اللذين كان عليه النظام ودهاقنته والمستفيدون منه، إذ أفسدوا فساداً لا يخطر حتى على بال إبليس نفسه.
ومع أن هذه اللجنة لم تأت بعد على الرؤوس الكبيرة إلا
أن ما ظهر من جبال الفساد يدير العقول، ويجعلها أقرب إلى الذهول، إن لم يكن
الجنون، من هول ما بدا للعيان.
إن لقاء وزير الإعلام فيصل الذي ردم فيه النظام البائد، وإطلالة مدير التلفزيون لقمان أحمد مع شخصيات في الفعل السياسي في حوار يليق بإعلامنا، والأداء المميز لوكالة الأنباء السودانية (سونا) بقيادة مديرها محمد عبدالحميد، والأداء العالي لوزارة الصحة بقيادة الدكتور أكرم التوم، والإنتاج الزراعي الوفير، والأداء المرضي للجنة إزالة التمكين، ذلك كله أشعر كثيرين مثلي بشيء يدعو إلى الاطمئنان على مسار الثورة، إلا أن الآمال عريضة، والتفاؤل ديدننا منذ انطلاقة ثورتنا، وحتى انتصارها، وما بعد ذلك، إلا أنه سيظل فرض هيبة الدولة من أهم أسس نجاح الحكومة الانتقالية، حتى تدخل الفئران جحورها، لا بالصلف والظلم، والاعتداء على الحريات، وإنما بقوة القانون، وإعلاء مصلحة الوطن.
ويبدو أننا في رمضان موعودون بمسلسل “إزالة
التمكين” الذي ستكشف حلقاته كيف كان الحرملك يحكم دولة البشير، وستبدو هند في
نهاية المسلسل مسكينة ومكسورة الجناح، إلى جانب وداد وصويحباتها الأخريات.