من أوضح أخطاء التفكير التنفيذي لما بعد الثورة هو أننا نتحرك في ذات الميدان الذي قامت برسمه الإنقاذ. نمشي في ذات الخطوط المتقاطعة التي صنعتها لإضاعة الدرب على الجميع، وارتكاب المتاهة في منتصف النهار.
وكأمثلة عريضة فقط: لا يزال التقسيم الولائي كما كان. ولا يزال الحكم الاتحادي بذات الوصفات والتوصيف السابق.
لا تزال سلطات المؤسسات القديمة كالحكم المحلي مؤجل تفعيلها. لا يزال الإعلام مقسمًا غير مجتمع في سلطة واحدة: إعلام الوزارة، وإعلام المجلس السيادي، وإعلام رئاسة الوزراء، وإعلام الشرطة والجيش، وإعلام الحكومات الولائي
لا تزال الموظفات بأغطية الرؤوس والأحجبة، وكذلك ضابطات ومجندات الشرطة والقوات المسلحة. لا تزال بعض الوزارات بذات اللافتات القديمة، وكمثال لا توجد لافتة باسم وزارة الثقافة والإعلام، وإنما توجد لافتتان، كل منهما على الفصل والتقسيم القديم.
في ذات الوقت تغيب كل الدلالات والإشارات بوقوع تغيير في الشوارع الرئيسة. لا صور للشهداء في أوساط المدينة أو أطرافها أو محاولة لإعادة رسم الجداريات التي تم مسحها.
إعلانات ولوحات الدعاية القديمة تحتل نفس مواقعها. لا يزال تلفزيون السودان بذات الشعار والموسيقى التصويرية الإنقاذية في نشرة الأخبار .لا يزال المسؤول يبدأ حديثه بالبسملة والمقدمات الشكلية المحفوظة.
لا تزال البيئة متسخة والطرقات عظيمة الحفر و الانهيار . لا يزال العسكر بذقونهم المهملة والموظف على كيفه، وعلى عادات قطع العمل بالذهاب الى الإفطار متكاسلاً، واستخدام السيارات الحكومية في مواقع بالأطراف لتناول وجبة الإفطار.
لا تزال التجمعات العشوائية حول ستات الشاي، والمطالبة بزيادة السكر والهبهان. لا تزال الصلاة وسيلة لتكسير الزمن، واختصار ساعات العمل.
لا يزال الشرطي والعسكري يقول بتهكم ورفض عندما يتم طلب تقديم لخدماته : مش قلتوا مدنية؟ عجبي!! هل نضب الخيال وتعطلت الأفكار؟ أم ما المانع من الابتكار وتحرير العقول من القيود، ولجم العسكريين بقوانين رادعة في حال التهكم من المدنية كشعار للثورة وخيار للشعب؟ افتحوا أبواب التفكير الإبداعي للجميع، وخصوصاً الشباب أصحاب الحق في التغيير لتقديم أفكارهم، والمساهمة في إحداث التحولات التي خرجوا وضحوا لأجل أن تكون.