ورثنا تركة ثقيلة من فساد النظام البائد، والكثير من هذا الفساد ارتبط بموظفين داخل المؤسسات الحكومية، يعملون بالتعاون مع سماسرة في الخارج، لعقد الصفقات المشبوهة، ودفع الرشاوي، وتزوير المستندات والشهادات، واستغلال المنصب العام والسلطات الممنوحة، وغيرها من أوجه الفساد الرسمي المعروفة للجميع.
ارتبطت عمليات الفساد بوزير أو مدير أو رئيس قسم أو موظف صغير أو حتى غفير، ولهم علاقات متشعبة بعملاء في كل الجهات، ويعمل الجميع في تنسيق تام وبمصطلحات يتداولونها بينهم، والأموال توزع حسب المنصب، والشاطر هو من ينجز الإجراءات بالواسطة المدفوعة الأجر طبعا، لأن واسطة كده لله لله حتى بين الأهل والأصدقاء لا توجد في قاموس الفساد، و”الفهلوي” هو من يكسب أكثر، وتظهر عليه علامات الغنى.
تطور الفساد، وتشكلت مافيا للتزوير، ومافيا للإجراءات، ومافيا للعملات، ومافيا للتوظيف، ومافيا للدعارة، ومافيا لغسل الأموال، حتى أصبحت “مافيا الفساد” هي المتحكم الفعلي في إدارة شؤون المواطنين، وكل شيء يخطر على بالك يمكن أن يمر وبطرق قانونية ورسمية، ولكن للأسف بدون وجه حق، وقد تصل إلى شطب الأحكام القضائية أو منح درجات علمية وشهادات في كل المجالات.
لماذا لا تبدأ الصحافة الاستقصائية في العمل على أرض الواقع؟ فكل الظروف مهيأة الآن لحماية العمل الصحافي الاحترافي، ولا نحتاج إلى جهد كبير للإيقاع بالفاسدين داخل أجهزة الدولة وخارجها، فمن منا لم يتعامل بالرشوة، ومن منا لم يدفع “حق الشاي”، ومن منا لم يكمل إجراء رسمي عبر سمسار يتعامل مع شخص خفي داخل تلك الوزارة أو ذلك الجهاز أو حتى دفع مبلغ أقل لتسوية مخالفة رسمية، جميعهم معروفون، ويعملون حتى اللحظة بذات الأساليب القديمة، ولابد من عمل رادع وتشهير ومحاكمات حتى ننتهي من هذا “الكابوس” أو على الأقل نبدأ محاربتهم فعليا وبذات طرقهم، وسننتصر عليهم وإن طال الزمن، وحرفيا آن أوان الصحافة الاستقصائية لتضرب “الفساد” في مقتل.
منصة اقتصادية:
الخطوة التي بدأتها وزارة التجارة بإيقاف العمل عبر الوكلاء في توزيع الدقيق، خطوة موفقة جداً جداً، فالوسطاء هم السبب المباشر الآن في خلق الأزمات ورفع الأسعار واحتكار السلع، فلابد من ضربة قاضية تنهي كل الوكلاء “السماسرة” في كل القطاعات الاقتصادية، بداية بالأسمنت والسيخ والدقيق والزيت والجبنة والسكر والسمسم والماشية والقمح.. إلخ، فهؤلاء يرفعون سعر السلعة أكثر من 500 % حتى تصل إلى المستهلك النهائي، وقريباً سنكتب بالتفصيل عن آلية ارتفاع الأسعار، وسنضرب أمثلة بسلع عديدة يضارب فيها السماسرة “الوكلاء” أو قل الوكلاء “السماسرة”، وكيف يتحكمون في السوق ويسيطرون على حياتنا مع سبق الإصرار وتحت حماية القانون.
دمتم بورد..