يبدو أن ثورة ديسمبر المجيدة، قد فتحت شهيتنا للتعبير عن أمانينا الغوالي، التي طالما خابت. من هذه الأماني العزيزة، وجود هيئة لحفظ آثار السودان التشكيلية. إن من أسطع دلائل تخلفنا الحضاري أننا على الرغم من مرور 64 عامًا على استقلالنا، لا تزال بلادنا بلا متحفٍ لحفظ أعمال كبار التشكيليين السودانيين. هذا في حين تزدان بأعمالهم أروقة أعظم المتاحف في العالم. وعلى سبيل المثال، فإن أعمال الفنان الرائد، إبراهيم الصلحي، ضمن معروضات متحف الفن الإفريقي في واشنطن. وقاعة التيت غاليري في لندن، إضافةً إلى متحف الفن المعاصر، في الدوحة، وقس على ذلك. من الضروري أن تنشأ هيئة متخصصة، تابعة للدولة، لتشرف على إنشاء مستودع، لحفظ أعمال كبار الفنانين التشكيليين السودانيين، المنتشرين في عواصم الدنيا، والمقيمين في البلاد، من ذوي المستوى الذين تحرص متاحف مختلف العواصم الكبيرة، على اقتناء أعمالهم. على نخبنا السياسية، والتنفيذية، أن تعي معنى الثقافة، وأن تعرف حجم ما تشكله في سردية هويتنا الجامعة.
اعتدنا، منذ أن كنت طلابًا في كلية الفنون الجميلة، أن نرى المراكز الثقافية الأجنبية، في الخرطوم، تفتح صالاتها لمعارض الفنانين السودانيين. ولم نر للدولة دورًا في رعاية هذا النوع من النشاط الثقافي، شديد الأهمية. كانت هناك غاليري عرض حكومية، يتيمة، عرفتها الخرطوم في فترة نظام نميري، في سبعينات القرن الماضي. جرى إنشاؤها بتصميم مرتجل، في ميدان أبو جنزير، شرق الجامع الكبير، في الخرطوم. ولعلها كانت قاعة للمعارض العامة، جرى استخدامها قبل أن تكتمل مباني معرض الخرطوم الدولي الحالية ببري. لكن، اختفت تلك الصالة، وحل محلها موقف للمواصلات.
هذا المقال دعوة لوزارة الثقافة، ومن ورائها الحكومة الانتقالية، إلى إنشاء هيئة صغيرة من المتخصصين، للإشراف على عملية خلق مستودعٍ لمقتنيات الدولة، من الفن التشكيلي السوداني. ويمكن أن يجري إلحاق هذه الهيئة الصغيرة، بالمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون. ومن حسن الطالع أن هذا المجلس يقع في موقع ممتاز في الخرطوم شرق. ورغم أن مبناه قديم ومتهالك، إلا أن قطعة الأرض التي يقع عليها كبيرة. فبقليلٍ من جهد الدولة، ومن إسهام القطاع الخاص، مع التواصل مع المنظمات الدولية، يمكن لهذه الهيئة أن تجمع من المال ما يمكِّن من الشروع في مبنى جديد لهذا المجلس، مع مستودعٍ لحفظ الآثار التشكيلية بطريقة علمية. هذا إضافةً إلى صالةٍ لعرض المقتنيات الثابتة، وصالة أخرى لعروض الفنانين المتغيرة. هذا العمل، ليس ترفًا، ولا ينبغي أن يُقصى من أولوياتنا، بالحجج الباهتة، المعتادة، التي لا يقف وراءها سوى الجهل بقيمة الكنوز التشكيلية. فالآثار التشكيلية من النفائس التي تقتنيها الدول ويقتنيها الأغنياء من الناس ويدخرونها كما يدخرون الأشياء الثمينة من ذهب وغيره. لذلك، فإن حفظ الآثار التشكيلية، عملٌ اقتصاديٌّ، استثماريٌّ، من الدرجة الأولى. كما أن السياحة الثقافية، سوف تصبح، في الغد القريب، رافدًا اقتصاديًا بالغ الأهمية.