مع اجتياح فيروس كورونا للعالم، وبداية ظهور بعض الحالات في السودان لم يكن هناك مركز طبي متخصص للعزل لاستقبال تداعيات مثل هذا الوباء، بما يتطلب من مبانٍ ومرافق ومعدات ومستلزمات طبية، إضافة إلى عدم تولفر الكوادر الطبية والصحية الكافية والمدربة لمواجهة حدوث مثل هذا الكارثة.
مركز جبره جنوب الخرطوم الذي يعدُّ الآن مركز العزل
الأول في السودان جرى بناؤه وإعداده في الأصل مركزاً عاماً لطب الطوارئ، ولم يتم
افتتاحه للعمل؛ لعدم استكمال بعض المرافق، وتوفير بعض الأجهزة والمعدات المطلوبة.
مع ظهور جائحة كورونا كان الفضل لمجموعة صغيرة من الشباب
من اختصاصيي طب الطوارئ ممن يعدّون من الأوائل في التخصص في هذا المجال القيام
بمبادرة لتحويل المركز لأغراض العزل، إذ قاموا بتقييم وضع المركز من الناحية
الفنية، ومراجعة وتحديد النواقص المتصلة بصيانة وإعداد المرافق، وتحديد المتطلبات
العاجلة من الأجهزة والمعدات الطبية وغيرها، كما قاموا بوضع وتنفيذ البروتوكولات
العلاجية، بالتنسيق مع وزارة الصحة والجمعية السودانية لطب الطوارئ، والجمعية
السودانية لأمراض الصدر.
تمكّن هؤلاء
الشباب من تجنيد عدد كبير من الكوادر الصحية والطبية والعاملين في المجال الصحي للعمل
بالمركز متطوعين، إضافة إلى بعض العاملين التابعين لوزارة الصحة ممن خيرتهم الوزارة
للاستمرار متطوعين للعمل بالمركز.
واجه الأطباء المبادرون تحديّات كبيرة استطاعوا التغلب
عليها، وعلى سبيل المثال قام بعض أئمة المساجد التابعين للنظام البائد بتحريض مواطني
جبره ضد افتتاح المركز من خلال قيادة المظاهرات لمنع افتتاحه، إلا أن الأطباء تمكّنوا
بفضل الله ومساعدة لجان المقاومة من إقناع السكان بأهمية وضرورة افتتاح المركز.
رغم أهمية المركز والرسالة التي يقدمها بوصفه حصن
الدفاع الأول ضد جائحة كوورونا في السودان، كما يعدُّ العاملين فيه هم قادة خط
الدفاع الأول ضد هذا المرض الخطير، فإن الأمر لم يجد التقدير الكافي، والتشجيع
والدعم النفسي والمعنوي المطلوب من المسؤولين، خصوصاً إذا علمنا أن أعلى مسؤول
رسمي يقوم بزيارة المركز بشكل متكرر هو مدير إدارة المستشفيات بولاية الخرطوم، مع
الغياب الكامل للمسؤولين المركزيين في الحكومة بما فيهم وزارة الصحة، واللجنة
العليا لدرء ومحاربة وباء جائحة كورونا، الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب!!.
ولعل الأدهى والأمرّ أن الأرقام الأولية للإصابة
بجائحة كورونا بدأت تزداد بشكل ملحوظ بين الأطباء والعاملين في المجال الصحي؛ مما
يهدد بانهيار خط الدفاع الأول، ومواجهة البلاد كارثة طبية لا تبقي ولا تذر، وحينها
لآت ساعة مندم.
بالطبع الوضع
الكارثي لا يقتصر على مركز جبرة، إذ تشير التقارير أيضاً الي أن الحال أسوأ في
بقية مستشفيات البلاد، ووصل الحال إلى إغلاق عدد منها بالكامل، مع تجنب المرضى من
المواطنين الذهاب للمستشفيات العاملة للعلاج؛ لكونها أصبحت موبوءة بفيروس كورونا.
ومن المخاطر الكبيرة، مع احتمالات زيادة انتشار المرض التي
يجب الوقوف عندها، هو أن معظم الكوادر الطبية والصحية العاملة في مجال محاربة
المرض ما زالوا مخالطين لأهلهم في السكن، إضافة إلى أن من جرى توفير سكن خاص لهم
يسكنون بأعداد كبيرة مع بعضهم، مما يرفع درجة المخاطر بإصابتهم بالمرض.
لقد حذرت الأمم المتحدة من تعرض السودان لكارثة إنسانية
بسبب فيروس كورونا، ما لم ترفع عنها العقوبات، وما لم يتلق مساعدات مالية، وصرحت مفوضة
حقوق الإنسان ميشيل باشليه أن عدم توافر الدعم الدولي قد يقود إلى انهيار العملية
الديمقراطية بكامله في السودان، وأن الطريقة الوحيدة للحل أن يسارع المانحون إلى المساهمة
في إنقاذ الوضع.
في ظل هذه الأوضاع المأساوية يطل وزير الصحة على الشعب
السوداني في مؤتمراته الصحفية ليعلن دوماً توسع انتشار المرض، وعدم توافر الأجهزة
والمعينات، وما تواجهه الكوادر الطبية من مشكلات من المرضى ومراقيقهم، من دون
الاشارة إلى أي ترتيبات تقوم بها وزارته لإيجاد الحلول، وقد ظهر على النسق ذاته في
مؤتمره الصحفي بتاريخ 29 أبريل2020م مصرحاً بخطورة الأمر، شاكياً من انعدام الدواء
والمعينات الطبية، بما في ذلك احتياجات الكادر الطبي من أجهزة الحماية والوقاية، وبعبارات
تؤكد فقدان السيطرة على الوضع الصحي في البلاد؛ مشيراً إلى عدم توافر الدعم المالي
الكافي، وهو الأمر الذي نفاه وزير المالية في تغريدة له، وهو يشير إلى أن وزارته
قامت بالصرف على الصحة بشكل غير مسبوق.
هذا المقال صرخة في وجه كل مسؤول بالحكومة بدءاً بوزير
الصحة، ومروراً برئيس الوزراء، وانتهاءً بمجلس السيادة؛ لتدارك ما يمكن تداركه
لتجاوز الكارثة والمحنة التي تعيشها البلاد. فليكن من أولى الأولويات لأي مسؤول الاهتمام
بالكادر الطبي من خلال توفير معينات الحماية، ومتطلبات علاج المرضي، وتوفير السكن
المناسب الذي يقلل درجة الاختلاط فيما بينهم ومع الآخرين.
كما أنه من الضروري
اهتمام المسؤولين بزيارة المرافق الصحية، ومراكز العزل؛ بغرض تقييمها ودعمها
وتطويرها، ومعالجة الأزمات بشكل فوري ومباشر؛ مما يساهم في تشجيع ورفع معنويات
العاملين في هذه المراكز تحت ظروف صعبة وغير عادية؛ معرضين حياتهم للخطر من أجل
خدمة الوطن والانسانية.
والله من وراء القصد