يعدُّ الفنان الراحل محمد وردي قمراً وسط زخم من النجوم في سماء الغناء، ليس فى ثري بلادنا الحبيبة وحسب؛ بل في رحاب القارة الأفريقية، التي ما فتئت شعوبها تترنم بأغنياته منذ أن بزغ نوره قبل عقود طويلة،.وحتى يومنا هذا.
وسوف تظل تلك الأفواه في كل انحاء القارة تردد أغنياته إلى الأبد؛ مما يؤكد أن هذا الفنان أسطورة من أساطير العصر الحديث.
الحديث عن هذه الاسطورة يطول ويحتاج إلى مجلدات تعزف فى جوفها أنغام من الحروف التى تروي عن حياته التي تشبه كثيراً حياة أفذاذ من العباقرة.. بل حياة بعض الكائنات التى هبطت من السماء، من ناحية الميلاد، والنشأة، والبيئة، وغيرها من السمات والملامح التي تتميز بها العباقرة اأو دهاة البشر في هذا الوجود.
لقد ماتت أمه وهو ما يزال في عمر اليفاعة، أو كما يقولون وهو فى سن الرضاعة، ولم ير أمه، كما هي حال كثير من الأنبيا، وترعرع يتيماً فى كنف عمه.
كانت حياته فى قرية بدوية ووسط قوم يرون كل من يمتهن الغناءخارجاً عن المألوف، وعن العادات والتقاليد التي توصم المطرب بعلامات الفشل والانحراف، والضياع، ولا تري فيه أي نوع من العبقرية.
وحينما ارتاد أرض(العاصمة)؛ ليتسلق أاسوارالأجهزة الإعلامية، كانت الاذاعة هي الجهار الوحيد لعملية السطوع والبزوغ .. فقد واجهته عاصفة من التحديات من بعض الذين سبقوه في هذا الميدان، ولربما كانت بدافع الأحقاد خصوصاً، وقد لمسوا فيه كثيراً من النبوغ، والإبداع، والتفوق الكمي والكيفي!!
وفعلا ظهرت فيه كل تلك السمات والصفات التيى أهلته ليكون صاحب الريادة، وليأخذ مقعده فى الصف الأمامي وسط معشر المطربين، الذين بدؤوا يكيدون له المكائد حتى يتملكه اليأس، ويفرّ هارباً من هذه الحقول، ولكنه كان صاحب شكيمة وإرادة قوية تحدى بها كل تلك العقبات.
المدهش جداً أن وردي ورغم انحداره من منطقة ليس لها علاقة باللغة العربية، لكنه أجادها أكثر من أهلها؛ بل أصبحت أغنياته تأخذ طابع اللغة العربية الفصحى والدارجة معاً، مع أدائه الجميل للأغنيات النوبية، وهو الوحيد الذي كان له سبق التفوق في التعامل مع الأغنيات أو الأناشيد الوطنية التي كانت من أسباب تأجيج مشاعر المواطنين في أثناء الثورات الشعبية التي اندلعت في أنحاء القطر.
ويقال إن تلحين مثل تلك الاغنيات لها موهبة خاصة لا يقدرعليها أي مطرب أو فنان.
رحم الله هذا المطرب المعجزة، وأسكنه فى فسيح جناته، وألقى عليه من الأجر والثواب بقدرما منح للملايين من البشر تلك الكمية من شلالات الفرح.