بعد مرور عامٍ على سطوع شمس الحرية وبزوغ فجر الخلاص عقب إنتصار ثورة ديسمبر المجيدة كنتُ أمَّني نفسي ببذل كُل طاقاتي عبر التفرُّغ فكراً وروحاً وجسداً ، لدعم مسيرة التنمية المُستدامة و(تشذيب) ما يبدو في الأُفق من عثرات في مسيرة الثورة نحو تحقيق أهدافها ، ولم يخطُر في بالي أبداً أن محاوِّر كتاباتنا وتحليلاتنا الصحفية والإعلامية ستظل (عالِقة) إلى هذا الأوان المتقدِّم من عُمر الثورة في دائرة (التصدي) لمُناكفات فلول النظام البائد ومحاولاتهم اليائسة والبائسة التي لا تنقطع في الطعن في خاصِرة الثورة وإعاقة مسيرتها المقدسة ، تارةً بمحاولة التشكيك في مؤسساتها الشرعية وتارةً أُخرى بمحاولات إغتيال قياداتها حِسياً ومعنوياً ، إلى أن وصل الأمر إلى حد المُراهنة بعرقلة المسيرة الثورية عبر إشعال نار الفِتن القبلية والجهوية ونحنُ نخطو بثبات نحو السلام الشامل والعادل ، بل وصل الأمر إلى محاولة دق إسفين الخلاف والنزاع بين مؤسسات الدولة الثلاث مُمثلة في قوى الحرية والتغيير ومجلسي السيادة والوزراء.
تقوقعنا وإستسلمنا قابعين في (شرك) الإستمرار في محاربة الفلول داخل وخارج مؤسسة الدولة العميقة ، وذلك عبر (تراخي وتكاسُل) الكثير من القوى السياسية المؤثِّرة وفي مقدمتها حزب الأمة وأحزاب وتنظيمات أخرى عن شرف (الإنتماء المُطلق) لكل موجهات و(واجبات) الثورة وضروراتها رغم ما فيها من عيوب ونواقص ، والإصرار غير المُبرَّر على إختيار التمترُس في خانة (الناجين) من مسئولية ما يُمكن أن يترتَّب من سيناريوهات هي بالتأكيد لن تكون أسوأ ولا أمَّرْ من ثلاثين عاماً قضتها الإنقاذ نهشاً في السودان وشعبه الذي يستحق الإنعتاق ، كما كان أيضاً لضغوطات العسكر ومحاولاتهم الظاهرة والمُستترة للحفاظ على مكاسبهم الإقتصادية و(الإنتمائية) بالغ الأثر على ضعف تعامل المنظومة المدنية للسلطة الإنتقالية مع برامج ومُخطَّطات هدم الدولة العميقة و(الوضوح) السافِر الذي لا يقبل الشك ولا التأويل في إعتبارهم لفلول العهد البائد (أعداءاً) مُناهضين وخطرين على الثورة وعلى إرادة الشعب الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجلها.
لن تنطلي على شُرفاء هذه البلاد من الذين ذاقوا مرارات الإنقاذ ولم يكونوا من المستفيدين والمُنتفعين من دائرة فسادها الآثم ، مبرِّرات الذين يحاربون الثورة وحكومتها الإنتقالية بشراسة يحسدهم عليها فلول النظام البائد ، ثم يقولون نحنُ مع الثورة التي سُرقت ويُعلنون معاناتهم من وصمات التخوين فقط لأنهم (ينتقدون) ، لكنهم بالأحرى يحاربون بكل ما أوتوا من قوةٍ وعزم لأنهم ببساطة إما كيزان يتنَّكرون في ثوب الثوار المُعارضين ، أو أنهم في الحقيقة (مُنتفعين) تهدَّدت مصالحهم بإنتظام مسيرة الإصلاح والعدالة والمساواة ، المرحلة الإنتقالية ليست دائرة مُناسبة لتطبيق المفاهيم الديموقراطية المُطلقة وغير (المحدودة) ، لأنها وأيضاً ببساطة مثوى لمعارك ومخاطر قد تُجهض الثورة نفسها ، الديموقراطية المُطلقة مكانها وميقاتها الطبيعي يأتي عند إحلال السلام الشامل وتطهير مؤسسات الدولة من بقايا العهد البائد والإعداد لإنتخابات حُرة ونزيهة تُفضي إلى التوافق حول دستورٍ جامع يحمي شعار (حرية – سلام – عدالة).