يعجبني في الإمام الصادق المهدي – متعه الله بالصحة والعافية – اهتمامه بالشأن العام المحلي والإقليمي والعالمي ومشاركته الإيجابية وجهده الفكري المقدر في كل المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والفنية.
أكتب هذا بعد اطلاعي على كتابه”مياه النيل .. الوعد والوعيد” الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر عام 2000م الذي تناول فيه قضية الصراع حول الموارد المائية خاصة في دول حوض النيل وطرح عبره رؤيته لحسن إدارة موارد المياه لصالح شعوب المنطقة.
في الفصل الأول من الكتاب طرح سؤالاً جوهرياً: هل النيل واصل أم فاصل؟ في محاولة للإجابة بما يحقق الدور الإيجابي للنيل في حياة شعوب دول حوض النيل، ومدى إمكانية جعله عنصر وصل بين شعوب الحوض.
نبه الصادق المهدي إلى خطورة استمرار التنافر الحالي بين دول حوض النيل؛ لأن ذلك سيؤدي إلى تفاقم النزاع حول موارد المياه، ودعا إلى إبرام اتفاق شامل يفتح أبواب التعاون بين شعوب وادي النيل لصالح التنمية والرخاء بدلاً من تأجيج الخلافات والنزاعات؛ لأنه إذا سيطرت النظرة الضيقة القصيرة المدى حول الموارد المائية، فإن ذلك سيقفل أبواب التعاون، ويؤدي إلى تفاقم النزاعات، بينما المطلوب تعزيز التعاون لزيادة هذه الموارد، خاصة أن المنطقة تشهد اضطرابات داخلية واقليمية ودولية.
أكد أيضاً أهمية تعزيز الاستقرار في دول حوض النيل وتوثيق التعاوان فيما بين شعوبها لتحقيق مصالح شعوبها لإنجاز مشروع زيادة الإستثمارات في الخدمات المائية، وتحقيق رؤية استراتيجية للمياه عام 2025م.
تهدف إستراتيجية المياه تمكين دول حوض النيل من الحصول على حاجتهم من المياه وتوفير إنتاج غذائي يحقق الأمن الغذائي لهم وللمنطقة المحيطة، وذلك يتطلب حسن إدارة الموارد المائية العذبة لتوفير المياه الصالحة للشرب والحفاظ على البيئة الطبيعية.
عدّ الإمام الصادق المهدي مبادرة حوض النيل خطوة في الطريق الصحيح لكنها وحدها لا تكفي إنما لابد من إبرام إتفاقية شاملة تلزم دول حوض النيل بعدم القيام بأي عمل منفرد يلحق الضرر بالدول الأخرى، وتؤسس لقيام هيئة مشتركة كإدارة موحدة لموارد مياه النيل.دعا لقيام تكتل اقتصادي إقليمي يضم دول حوض النيل لتحقيق التعاون الإيجابي بين أفريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوب الصحراء لتعزيز العلاقات العربية الأفريقية لصالح تنمية ونماء وتقدم الشعوب العربية والأفريقية.
ختم الصادق المهدي كتابه مؤكداً أهمية تعزيز التعاون الإيجابي بين دول حوض النيل لحمايتها من التوتر والصدام والنزاع في الأحواض المجاورة في أفريقيا وآسيا، خاصة وأن الوقت يمضي مندفعاً وسط عوامل كثيرة تؤجج الخلاف والصراع، وفي نفس الوقت لابد من تعميق الوعي الوطني والإقليمي والدولي بأمن وسلام واستقرار حوض النيل حتى يحقق النيل دوره الإيجابي في ربط شعوب الحوض وحسن استغلال ثروته المائيه لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية فيه وفي العالم من حوله.