نقلت الصحف عن عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي قوله إن (الحظر خلق أزمة أسوأ من كورونا)..! ولو انقلب الأمر ومات آلاف السودانيين بسبب عدم الحظر لقلب حديثه رأساً على عقب وقال إن الحكومة تراخت في إعلان الحظر وسببت الكارثة..! فغرضه معروف.. فهو لا يسير إلي جانب المنطق والحقيقة وأمانة المسؤولية وإنما يندفع وراء الأهواء القديمة وينطلق من موقف الكيد للثورة التي يبدو جلياً كراهيته لها .. وهذا كلام لا يُستغرب صدوره منه .. فهذا الرجل (لا الحظر ولا كرونا) يمثل أزمة حقيقية تُضاف إلى الأزمات التي تعترض التغيير في السودان وتريد أن تعود بعجلة الوطن إلى الوراء.. وتصريحاته غير المسؤولة هذه والتي تبلغ حد السُخف لا تزيد عن كونها تعبير صريح عن جهل مطلق وكأن هذا الرجل يعيش في كهف لا يسمع ولا يرى ولا يشاهد ولا يطالع ولا يعلم أن أمريكا على سبيل المثال (بكل هيلها وهيلمانها) بلغ عدد إصابات كورونا فيها مليون وثمانمائة وسبعون ألف شخص (1,870,000). والوفيات مائه وثمانية آلاف شخص (108,000) وفي دول أوروبا والغرب الصناعي تتجاوز الإصابات في اليوم الواحد ثلاثة آلاف شخص (3000)..! لا يجد هذا الرجل فرصة إلا ويخلق منها أزمة.. مما يؤكد اعتراضه على أي نجاح تحققه الحكومة المدنية.. وهو قبل يومين أرسل في كادوقلي (عبارات مفخخة) لا معنى لها ولا هدف غير تسميم الفترة الانتقالية وتعطيل مسار الثورة وكأنه لا يتعظ بما أعلنه (بعضمة لهاته) عشية فض الاعتصام من أنهم في المجلس العسكري اتخذوا قرار فض الاعتصام .. ثم عندما أدرك خطورة ما قال عاد إلي (البطبطة) ومحاولة التراجع بعد أن انكسرت الزجاجة وتدفق السمن..!
هذا اليوم ليس يوم الحديث عن صغائر كباشي وما ينضح منه من كراهية للثورة لا يمكن أن تخفيفها العبارات التمويهية فالكلام الذي ينطلق من السجية هو الذي يعبّر عن حقيقة صاحبه.. هذا اليوم هو ذكرى يوم من أيام الإنقاذ السوداء ومن أيام السودان الحزينة التي جرت فيها فظائع تقشعر منها الأبدان وتشيب من هولها الولدان .. والناس يشهدون الآن معظم مدن أمريكا تتعرّض لما يشبه الدمار والفوضى العارمة إلى درجة حشد عشرات الآلاف من كتائب الجيش والشرطة والأمن .. وكل ذلك بسبب ممارسة عنف مفرط من شرطي ضد مواطن واحد.. ولا ندري كيف يكون الحال مع مذبحة فض الاعتصام التي أسفرت عن وحشية الرعب والقتل والقنص وحصد الأرواح والدهس والسحل والترويع وإلقاء المواطنين في النيل أحياء مقيدين إلي الصخور..؟! في هذه الذكرى الأليمة يجب ألا ينسى الناس كيف رحّب الإنقاذيون بفض الاعتصام وباركوا القتل والسحل والإغراق وتغييب الشباب الذين لم يعرف الناس لهم أثراً حتى اليوم.. عدا الجروح الجسدية والنفسية والوصمة التي سجلت أبعد ما يمكن تصوّره من الغدر والخسّة والوضاعة .. والتي لن تزول من صفحة التاريخ ولا سيرة الوطن ووجدان أهله.. وليس هذا بغريب على مجرمين قتلة حصدوا مئات الآلاف في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وأقاموا المجازر الدموية في الشرق والجنوب والغرب والشمال..!
بقدرما تكون ذكرى فض الاعتصام الذي حرّض عليه جماعة غندور وعبد الحي والطيب مصطفي وأشباههم بصريح العبارة ذكرى حزينة فإنها أيضاً ذكرى بسالة الاستشهاد وذكرى الفداء ومهرجان النفوس العالية والهمة السامية والصمود الأسطوري .. والشاهد الأبقى أن تلك المذبحة المروّعة لم تحقق هدفها الرئيسي وهو إخماد الثورة وترويع الثوار وكسر شوكتهم بالرعب المتوحّش على طريقة داعش ….! هي ذكرى للبسالة والصمود رغم الاسترجاع الحزين ليوم فض المدينة الفاضلة التي انتصبت في ميدان القيادة والتي أزعج نموذجها نفوس الإنقاذيين المُجرمة المريضة التي تبغض الفضائل والمكارم والسمو الروحي.. وتكره توحيد مشاعر السودانيين .. ويستفزها التمازج الوطني وتتضايق من التكافل الشعبي والتجاور الوجداني وتنكتم أنفاسها من الأريحية والإبداع والتغني للوطن..! ولهذا خاب فألهم وزادت هذه الواقعة المُخزية من أوار الثورة التي أملت إرادتها وأزالت طغمة الإنقاذ الباغية التي كانت تسوق الوطن نحو هاوية ليس لها قرار.. وبهذا تكون مواصلة الثورة هي هدية الشعب لأرواح الشهداء وللجرحى والفقداء والمكلومين ومجهولي القبور..!
إذن هو يوم فداء وبسالة يستقبله الشعب بنفوس مؤمنة تضع في السويداء والشغاف توقير تضحيات الشهداء وأسرهم الكريمة والإصرار على الثأر لهم بكنس الإنقاذ ومسح ذكراها المُنتنة وإقامة دولة الحرية والعدالة والسلام .. فلتعش ذكرى ثورة ديسمبر بعبقها ورياحينها ولتخسأ عصابات القتل والسحل وأذنابها حيثما كانوا وكيفما كانوا..
الله لا كسب الإنقاذ…!
murtadamore@gmail.com