الخرطوم – التحرير:
في هذا الظرف المرحلي الذي تمر به البلاد، وفي ظل المتغيرات الكثيرة والتحولات الكبيرة التي شهدها السودان والعالم من حوله، حاولنا أن نستقرأ جملة ما يدور من أحداث من وجهة نظر السياسي المخضرم الأستاذ صديق يوسف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، ونتلمس فيها رؤية الحزب حول الحراك السياسي الذي تشهده الساحة السودانية.
• الشيوعي غاب عن المشهد السياسي خلال الفترة القليلة الماضية، ما الأسباب والدواعي؟
إذا تكلمنا عن العمل السياسي العام، فالحزب موجود ضمن قوى الإجماع الوطني. وأقام أنشطة في احتفالات إبريل، واحتفالات عيد المرأة في مارس، وهناك مجموعة من الأنشطة المستمرة تقريباً، وفي كل أسبوع لدينا أكثر من نشاط في مختلف دور الأحزاب بالعاصمة، وفي الولايات، أقمنا ندوة في سنجة، وأخرى في سنار.
• لكن إعلاميا كل تلك الأنشطة ليست حاضرة؟
حقيقة هنالك ضعف في الإعلام بصورة عامة، ليس بالنسبة إلى نشاطنا فحسب، بل في كل الأنشطة؛ لأن أكثر من 80% من الصحف اليومية تتبع النظام؛ لذلك هنالك كبت للمعلومات، التي تتعلق بكل الأنشطة السياسية، لهذا إعلامنا ضعيف، ونحن نملك صحيفة الميدان، وهي تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، لكن هذا لا يكفي، خصوصاً أن ثمن الصحيفة أصبح (4) جنيهات، فكيف للمواطن المغلوب على أمره أن يشتري الصحيفة بهذا الثمن، ونحن في المعارضة فعلاً ضعفاء إعلامياً، وليس الحزب الشيوعي وحده. ومعنا كل القوى السياسية لم ننجح في عمل محطة إذاعة، أو قناة فضائية؛ لكي نغطي هذا العجز في الإعلام، وذلك بسبب العجز المالي الذي نعانيه، وهذه الخطوة بلا شك ذات تكلفة عالية، والشيوعي يملك محطة إذاعية إلكترونية، وصفحة إلكترونية، ولديه كذلك صحيفة كما ذكرت سابقاً، أما الأحزاب الأخرى فنجد حزب البعث يملك صحيفة إلكترونية، وكذلك المؤتمر السوداني لديه صحيفة إلكترونية، وحزب الأمة القومي كذلك يمتلك صحيفة إلكترونية، فالنشاط السياسي موجود، ولكن الإعلام الواسع على مستوى الإذاعة والقناة الفضائية غير موجود.
• اختتمت الحكومة مؤتمر الحوار الوطني، وهي الآن في مرحلة تنفيذ المخرجات، والشيوعي مازال في مربع الممانعة، وهذا ما يجعله بعيداً من دائرة الفعل في الوضع السياسي المقبل؟
دعنا نتحدث عن مخرجات هذا الحوار، ونتساءل عن ماهيتها، وهل هي في مصلحة الشعب السوداني أم ضده؟ فنحن ضد هذه المخرجات. الخطاب الذي أصدره رئيس الجمهورية في البرلمان في الأسبوع الماضي يتضمن نقاطاً أساسية. يتحدث في الأول عن تكوين لجنة لصياغة دستور جديد، وهذا يعني تراجع عن دستور2005 المؤقت، الذي قبلته كل القوى السياسية عقب نيفاشا لسبب بسيط جداً، وهو أنه يتضمن وثيقة حقوق الإنسان.
نحن لا نتحدث عن أن الدستور غلط، ولكن نتحدث عن أن الحكومة انتهكت هذا الدستور، وسنت قوانين مخالفة له، والمؤتمر الوطني ينوي الآن إصدار دستور يسقط وثيقة حقوق الإنسان، وهذا يمضي نحو الأسوأ، ونحن لذلك ضد مخرجات هذا الحوار، والمخرجات في خطاب رئيس الجمهورية تتكلم عن أن حل قضية السودان بفتح الاستثمار، وجلب الاستثمار الأجنبي.
وبدأ عملياً في بيع أراضي السودان، ومخصصاته، وأعطى السعودية مليون فدان لمدة 99 عاماً في ستيت، والراجحي لديه ملايين الأفدنة في الشمالية مزروعة برسيم وقمح، ولا يوجد عائد منها مليم واحد يرجع للسودان، ومنتجات هذه المحاصيل تذهب إلى الخارج، وهذه الشركات تقوم ببيع تلك المنتجات بطريقتها الخاصة، ونحن (خسرانين) الأرض والمياه. الحكومة سلمتهم الأرض والمياه من أجل أن يربحوا هم في السعودية وفي غيرها. والنظام أدخل السودان في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، ونحن ليس لدينا اي عداء مع العرب. جيشنا وجنودنا يحاربون إلى جانب السعودية، ويموتون في اليمن، ونحن ليس لدينا أي عداء مع الشعب اليمني، والسودان ليس جزءاً من الصراع الديني بين الشيعة والسنة. والسودانيون بطبيعتهم مسالمون، وطبيعة الإسلام في السودان تمتاز بالتعايش السلمي بين مختلف الأفكار والمعتقدات. وعلى الرغم من أن لدينا عدة طوائف: إخوان مسلمون وأنصار سنة، ولكننا متعايشون سلمياً. والسودان لم يشهد صراعاً دينيا للدرجة التي يحمل فيها الناس السلاح، ولا يمكن أن نتحدث عن أن الحزب الشيوعي بعيد من هذا الحوار، لكن الحزب الشيوعي ضد هذا الحوار، وضد مخرجاته؛ لأنها ليست في مصلحة الشعب السوداني.
• جدل التعديلات الدستورية.. هل كان لصرف الأنظار عن القضايا الأساسية؟
الخلافات حول التعديلات الدستورية فيها شيء ليس ذا معنى كبير كزواج المرأة، وهنالك تعديلات أخرى هي الأهم والأخطر، وأهمها التعديل الأول الذي حدث العام الماضي، فالحكومة ألغت اختيار الولاة بالتصويت، وجعلت حق تعيينهم لرئيس الجمهورية، وأُعطيت سلطات واسعة لرئيس الجمهورية بخاصة فيما يتصل بالأرض، فالتصرف في أراضي السودان حكر على رئيس الجمهورية. شخص واحد في السودان هو الذي يتصرف في الأراضي، أما التعديل الثالث هو أن رئيس الجهورية لا يُحاسب على أي قرار يصدره، وهذا يعني حمايته. وهذه هي التعديلات التي في الدستور، والتي تعدّ تعديلات جوهرية لمصلحة هذا النظام، وبالنسبة إلى التعديل حول حق الزواج، فالإسلام يعطي للمرأة حق أن تُستشار في الزواج، وكونها تُستشار، هذا يعني ضرورة موافقتها، وما دام لديها هذا الحق، فإن من الممكن – إذا فرضوا عليها الزواج- أن تذهب إلى المحكمة، وتعترض على ذلك، فالحق أصلاً مكفول، وكل ما يحدث هو عبارة عن زوبعة في فنجان وأية إمرأة طلبت للزواج فإن أهلها يستشيرونها وهذه تقاليد الشعب السوداني .
• بالنسبة إلى تقليص صلاحيات جهاز الأمن، فإن الجهاز قال بصراحة إنه لن يحصر مهامه في جمع المعلومات فقط؟
أولاً التعديل قال إن جهاز الأمن يركز في جمع المعلومات، ولم يتحدث عن أخذ كل سلطاته، وعلى الرغم من هذا (هو جقلب)، وهذا الأمن يصر على أن تظل كل سلطاته، وأغرب شيء أن الجهاز يضع نفسه فوق رئيس الجمهورية؛ لأن قرارات الحوار وقع عليها الرئيس، وعليه يصبح أي اعتراض اعتراضاً على قرارات الرئيس، ولا يعقل أن يكون هناك جهاز في الدولة يتحدى السلطة التي هي أعلى منه، وهذا وضع غريب جداً؛ لأن هذا يعني أن جهاز الأمن هو الحاكم الفعلي لهذه البلاد.
• بالنسبة إلى حكومة الوفاق الوطني المقبلة، كيف تنظرون إليها؟
– اسأل ناس المؤتمر الوطني. الحوار استمر من يناير 2014م، ونحن الآن في شهر إبريل 2017م، أي ثلاث سنوات كاملة، ولم يتوصل هذا الحوار إلى التكوين، ولا أدري بأي شكل يريدون تكوين هذه الحكومة. واضح أن هنالك صراعاً حول المكونات التي شاركت في الحوار، وكل شخص يرغب في الحصول على نصيبه على الرغم من أن الكيكة صغيرة، والمؤتمر الوطني متمسك بالنصيب الأكبر منها.
• لكن الوطني تحدث عن تنازله عن 50% من نصيبه في السلطة؟
إلى الآن لم تُعلن الحكومة لكي نقول إنه تنازل أم لا، لكن ما نقرؤه في الصحف أن مجلس الوزراء مثلاً مكون من 31، به 23 من المؤتمر الوطني، و8 من الآخرين، وهذا لا يمثل 50%، حقيقة المؤتمر الوطني لم يعلن تنازله، ونحن ننتظر، وما دام أنه يملك 51%، هذا يعني أنه لم يتنازل.
• استحداث منصب رئيس الوزراء، وإعطاء صلاحيات رئاسية له، كيف ترون هذه الخطوة؟
نظام رئيس الجمهورية ومعه رئيس وزراء هذا هو النظام الفرنسي، لكن القضية في أن رئيس الوزراء هذا ما مهمته، إنها تختلف من دولة إلى أخرى، ومن صلاحية إلى صلاحية، وهم يتحدثون عن زيادة صلاحياته، ولكن (صلاحيتو دي ذاتها شنو)، ومن ناحية أخرى، هو يتمتع بمنصبين النائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، وهذا يعني أنه مؤسسة واحدة.
• بالنسبة إلى انفتاح الحكومة في علاقاتها الخارجية، ما السر في تغيير الحكومة خطابها فجأة؟
– الحكومة رضخت للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها، ولحل تلك المعضلة لجأت إلى الاتفاق مع الخليج، ورضخت للسياسات الأمريكية، ورضخت للتعاون مع الـ (سي أي إيه)؛ لحل مشكلاتها الاقتصادية، ورضخت لمتطلبات المجتمع الدولي، والأبعد من ذلك أن أمريكا التي كانوا يقولون عنها في الماضي إنه (دنا عذابها)، سيكون عندها مكتب لـ (السي أي إيه) في السودان.
رفع الحظر الاقتصادي، وإن كان جزئياً في المرحلة الحالية، كيف تقيمونه؟
من الممكن أن يُرفع الحظر بأكمله. أمريكا كلما أعطيتها شيئاً تعطيك هي بالمقابل شيئاً آخر (ترضخ بي جاي يدوك بي جاي)، ومن المتوقع جداً في شهر يوليو ترفع كل العقوبات، الزيارات المتكررة لأمريكا من قبل مدير جهاز الأمن محمد عطا، وقائد الجيش، وحتى وزير الخارجية، وكذلك رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر، كما أن وفوداً وزارية ذهبت إلى أمريكا، وهنالك أيضاً وفود أمريكية قابلوا المستثمرين، والحكومة فاتحة الباب لاستثمارات واسعة للأمريكيين وغيرهم، وبعد قليل لا نستبعد أن تملك مشروعات لشركات أمريكية، ونتوقع أن يكون بالسودان شركات برؤوس أموال ضخمة، واستثمارات لسلب ونهب ممتلكات البلاد، ومدخراتها.
• زيارة إمبيكي الأخيرة البلاد، وحراكه الأخير هل من الممكن أن تسهم في دفع عجلة الوفاق؟
– إمبيكي أصدر بياناً قال فيه إنه اجتمع مع الحكومة، ومع قوى نداء السودان، واتفق على دعوة نداء السودان؛ لكي تجتمع في أديس أبابا لتتفق مع بعضها، ويعقبه اجتماع مع الآلية الإفريقية، ومن ثم اجتماع مع آلية إسناد الحوار؛ لكي يتباحثوا حول حل مشكلة السودان؛ وفقاً لخارطة الطريق. والحركة الشعبية أصدرت بياناً قالت من خلاله إنها غير معنية بحوار الوثبة، ومحمد فاروق باسم أحزاب نداء السودان أصدر بياناً قال فيه إن ما قاله إمبيكي لم يكن هو الحديث الذي جرى في اللقاء، وقال إنهم ليسوا طرفاً في حوار (7+7) ، وقال إنهم مع خارطة الطريق، وأنا لدي رأي، وهو أن خريطة الطريق ليست بها أكثر من ذلك، وخريطة الطريق ليس فيها شيء غير أن قضية السودان تحل باجتماع كل أهل السودان، واجتماع كل أهل السودان هذا الحديث قاله عمر البشير في 27 يناير 2014م، ودعا الجميع، ولكننا من الأول رفضنا الدعوة، وقلنا إنه لا يمكن الجلوس في مثل هذه الظروف التي نعيشها: استمرار الحرب، وانعدام الحريات، وما إلى ذلك، والآن بعد التوقيع على مخرجات الحوار، وخطاب رئيس الجمهورية في البرلمان، واعتماد مخرجات الحوار سياسةً للدولة (يبقى ما في معنى) لأي حوار مع هذا النظام سواء بشروط أو بدون، وهذا يعني أننا سنمضي في خطنا الأساسي، وهو إسقاط هذا النظام.