محمد يوسف وردي
طوبى لمن اخترته يارب وقبلته ليسكن فى ديارك الى الأبد .
يارب نيح نفس روح خادمك الأمين جيرالد فى نعيم الفردوس، واجعله فى حضن الملائكة والشهداء القديسين.
الحزن يغمر شوارع أسوان عقب رحيل صديقنا القس العلامة الدكتور جيرالد لوخة مدير مستشفى الإرسالية (الجيرمانية ).
كان صورة ومثال للمسيح خدم الناس أجمعين بإخلاص بمختلف خلفياتهم الدينية والعرقية وأحبه الناس فى مصر والسودان لتواضعه وتكريسه حياته لنجدة الملهوف وإغاثة المرضى.
تعلم العربية فأجادها وتعلم النوبية فتحدث بها، كأنه ولد بها فى الجنينة والشباك ، ويقول اهل النوبة فى اسوان
إن خسارتهم فادحة برحيله؛ لأنه فضلاً عن دوره الطبى والاجتماعي، كان باحثا مرموقاً فى الثقافة النوبية ومشجعاً للآخرين فى مجال الاكاديميا والدراسات النوبية مثلما يفعل بنى قومه الألمان، وقد عكف فى سنواته الأخيرة على كتابة قاموس نوبى كان ينتظر صدوره قريبا .
قضى دكتور جيرالد سنوات طويلة فى اسوان وبسبب عشقه للنوبة حاول تقديم مساعداته عبر الحدود لمستشفيات وادى حلفا وعبرى و دلقو فى شكل معدات طبية ولوازم عمليات، وقد ذهب بنفسه لشمال السودان حاملا هذه الهدايا، ولما راى الحال المايل هناك ووقف على تدنى الخدمات الصحية فى ظل الإهمال المتعمد من نظام الاخوان الارهابى الذى تمادى فى تهميش تلك المنطقة لأسباب تاريخية، قرر د. جيرالد اجراء عمليات مجانية فى تلك المستشفيات، وبالفعل تدافع الحزانى هناك للظفر بعملية مجانية بدلا عن تحمل مشقة السفر الى القاهرة والخرطوم , وبعضهم رأت عيونهم النور بفضل عملياته.
واذكر ان عمنا الراحل محمد على خراج كان احد المستفيدين من تلك العمليات، وظل لسانه يلهج بالشكر لجيرالد ورفاقه حتى وفاته، وجاء مع جيرالد عدد من الجراحين أجروا عمليات ناجحة عديدة خلاف العيون، وكانوا على استعداد لعلاج اى مريض ، لدرجة ان أهل ابوصارى اوقفوا وفدهم وطلبوا منهم معالجة مرضاهم ففعلوا !
كان دكتور جيرالد يسعى لتوسيع دائرة المستفيدين، والوصول لأكبر عدد من المرضى عندنا لكن عصابة الإنقاذ التى لاترحم ولا تسمح بوصول رحمة ربنا للمحتاجين كلفت جواسيسها فى حلفا لمتابعة وفده، ومطاردته من مكان لآخر، ثم منعه من العمل بحجة انهم صلوا فى عبرى داخل كنيسة صغيرة ومتواضعة لأهلنا النازحين من جبال النوبة، وأكثر من ذلك نط كلاب الامن فى البيت الذى نزل فيه وفده الطبى فى وادى حلفا ونهبوا أموالهم، ولا استبعد ان يكون جيرالد قد تلقى تهديدا بالقتل من تلك العصابة المجرمة.
على المستوى الشخصي كان دكتور جيرالد احد الباحثين الذين كنّت اعول عليهم لكتابة تاريخ الممالك المسيحية عندنا، وخلال مناقشاته معنا اتفقنا ان اية محاولة لبناء سدود على النيل النوبى ستكون نتيجتها تعجيل العودة الى نوباتيا
خالص العزاء لاسرته ولمستشفى الجرمانية وللكنيسة ولأهل اسوان.