أظهر تقرير لجنة الطوارئ الاقتصادية، أن 12 شركة حكومية فقط تسهم في الإيرادات العامة لوزارة المالية من أصل 650 شركة، منها 200 شركة تتبع لمنظومة الدفاعات العسكرية والقوات النظامية، و431 شركة تتبع للوزارات والجهات التنفيذية، ومن بينها شركات لا وجود لها على أرض الواقع.
والآن حصحص الحق و”كتمت”، وأصبحت المواجهة حتمية من الجنرالات والشق المدني داخل الحكومة الانتقالية، وخصوصاً بعد تراجع منظومة الدفاعات العسكرية عن دعم ميزانية 2020 بملياري دولار وتخفيضها إلى مليار دولار فقط بعد أن تم التخطيط لها ووضعها في الميزانية، وحتى التزام المليار دولار يمكن التراجع عنه ولا يوجد قانون يمنع هذه الفوضى التي يتم التخطيط لها مع سبق الإصرار والترصد لإضعاف الشق المدني ليظل تابع للجنرالات، مع استمرار تنفيذ خطة إفراغ خزينة بنك السودان من النقد الأجنبي.
عطفاً على ما سبق، وعلى ما ظللنا نردده ونكرر فيه، أن الإصلاح الاقتصادي لا يبدأ “بالشحدة” ولا بالبحث عن المنح والهبات، ولا بزيادة المرتبات، ولا بدعم المواطنين بالمال النقدي من مطابع بنك السودان، ولا حتى بزيادة أسعار المحروقات، والاستمرار في هذه السياسة سيقود اقتصاد البلاد إلى الهاوية، وسيقود إلى سخط الشارع، وبالتالي إهداء فرصة ذهبية للجنرالات الطامعين في السلطة على إحكام قبضتهم على مفاصل الدولة، وضرب الثورة في مقتل.
الحل في إصدار قرار سريع، بإعادة كل الشركات الحكومية إلى ولاية وزارة المالية التي تعاني من شح الموارد، إذ لا يعقل أن تكون هناك شركات أقوى من الدولة، ولا توجد رقابة على ميزانياتها، والأخطر على الإطلاق هو أن وزارة المالية لا تعرف إيراد ومصروفات هذه الشركات، ولا توجد شفافية رغم أنها شركات تتبع للدولة ومن مال الشعب، وهذه من الأسباب الأساسية التي اشتعلت بسببها الثورة.
وفي تقديرنا هذه مخالفة تستوجب الردع والعقاب، وفرض سيطرة الدولة على هذه الشركات بالقانون هو واجب مجلس الوزارة، لأن مواصلة إضعاف الشق المدني مقابل سيطرة تامة للشق العسكري على الموارد والنقد الأجنبي والاستثمارات الحكومية سيقود البلاد إلى عهد مظلم جديد، وحينها لن يجدي اللوم نفعاً بعد فوات الأوان.
ننتظر من مؤتمر شركاء السودان الذي سينطلق في 25 يونيو الجاري في برلين، بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأكثر من 40 دولة، دعم حقيقي لاقتصاد البلاد، وليس دعم عبر المنح والقروض، نحتاج إلى شراكة اقتصادية حقيقية عبر تدشين استثمارات في كل القطاعات الحيوية الواعدة من زراعة وثروة حيوانية وصناعات تحويلية وغيرها، ونعتقد أن هذا المؤتمر هو الفرصة الأخيرة للحكومة لكسب ثقة المجتمع الدولي، وضرب سياسة المحاور التي تهدف إلى تمكين الجنرالات وإعادة السودان إلى عهد الظلام.
كما لا يعقل، أن نتحرك لجذب الاستثمارات وكسب ثقة المجتمع الدولي دون عمل إصلاحات حقيقية، تبدأ بسيطرة الدولة على الشركات الحكومية، ولا يمكن الانخراط في المجتمع الدولي في ظل تحكم الدولة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، ونعلم أن الدول الأوروبية لن تدعم اقتصاد السودان وهي تعلم أن الدعم سيقوي الدولة العميقة وسيمكن من سيطرة الجنرالات، يجب أن نبدأ بمساعدة أنفسنا أولاً بإحداث إصلاحات حقيقية وشجاعة نحو الدولة المدنية وبناء اقتصاد قوي يعتمد على الإنتاج قبل البحث عن ثقة الشركاء.. دمتم بود