حمدت الله كثيراً على أن رفيقيّ أستاذنا عبد الباسط الشاطرابي، والحبيب الشاعر الرقيق حسين حمزة ( جسمي انتحل) كانا مشغولين بإكمال حديثهما، فلم يلحظا انبهاري ونحن نخطو إلى داخل مؤسسة الجزيرة وقد اصطحباني للمعاينة…
حبست دهشتي وواريتها خلف هدوء رتبته جيداً وتبعتهما…
الممرات الطويلة الأنيقة المغطاة بالسجاد، الوجوه المبتسمة، التحايا وهي تنهال على صاحبيّ، صوت النافورة التي تتعالى من الطابق الأرضي ويصل صوتها إليها ونحن في الثاني، مازلت أتذكر هذه التفاصيل جيداً فقد شكلت انطباعي الأول …
كنت قد قدمت من السودان قبل أيام، وقد هيأت نفسي لخوض مغامرة جديدة، بين جنسيات أخرى،
عبد الباسط وحسين حمزة سودانيان قلت في نفسي سأنضم إليهما مع عدد من السودانيين في هذا المبنى الواسع
-السلام عليكم
سوداني آخر ألقى التحية ، ثم ثالث ورابع ، دفع حسين باب أحد المكاتب مسلماً رأيت أربعة أو خمسة آخرين ..
العدد أكبر مما أتصور عرفت فيما بعد أنهم أكثر من ستين سودانياً في المبنى الرئيسي فقط ..
بعد ثلاثة أيام كنت قد اتخذت مكاني وسط هؤلاء…
“دروبي” داخل الجريدة كانت مختصرة جداً ، مكتبي ، المسجد المطعم ثم” الثقافية” التي عرفت طريقي إليها مبكراً..
وجدت قصائدي اهتماماً وبدأت تنشر بانتظام، حتى جاء ذلك اليوم الذي لعب فيه قلم أحد المصححين بقصيدة فأجهز عليها ..قررت بعدها تصحيحها بنفسي ، القصيدة التالية كنت أراها ( صعبة) فقصصت أثرها حتى بصرت بها عن جنُبٍ في صالة التصحيح ، وما أدراك ما صالة التصحيح ، قاعة ضخمة تعج بقرابة الثلاثين مصححاًً من كل الجنسيات وإن غلب عليها السودانيون والمصريون …
أخذت الصفحة لأراجع القصيدة.. من فعل كل هذا؟
تصحيح بدقة، تم وضع علامات الترقيم التي أغفلتها، ضبط بعض الكلمات …
سألت عن المصحح فقيل لي : تومبى
تذكرته.. حنوبي طويل ، أنيق يلبس القمصان المزركشة الملفتة ، ( والجلابية والعمة والشال) والملابس الأفرنجية،
كنت أعرفه من بعيد، لكن لم أتصوره مصححاً.
نظرت إلى الصالة فوجدته هناك بعيداً شكرته ، فلم يعلق ، لكن ربما قرأ ما يدور في ذهني…
أصبح تومبى منذ ذلك اليوم احد أساتذتي الذين ألجأ إليهم عند كل معضلة لغوية …
نشرت هذه المادة في أبريل ٢٠١٧م