انسحب تجمع المهنيين السودانيين من تحالف قوى الحرية
والتغيير، وذكر أن من الأسباب “المجاملة والترضيات وضعف الالتزام بالأهداف
المعلنة للفترة الانتقالية أصبحت أساس معظم قرارات واختيارات التحالف في علاقته مع
السلطة الانتقالية”.
وقبله جمد حزب الأمة القومي نشاطه في هياكل قوى الحرية
والتغيير في أبريل الماضي، وذكر بعض عيوب الأداء، ومنها: “اضطراب موقف
القيادة السياسية لقوى إعلان الحرية والتغيير بصورة مخلة”، واتهم “بعض
مكونات التحالف الثوري”، وقال إنها “سادرة في مواقف حزبية، وأخرى تفاوض
مجلس السيادة بلا تنسيق مع الحرية والتغيير، وإعلان الحرية والتغيير لم يمنع بعض
مكوناته من المزايدات لدرجة المناكفة”، إلى جانب الاتهام بسوء إدارة الملف
الاقتصادي وملف السلام.
وقد سبق أن كتبت أن “الحاضنة السياسية” سبب
إرباك المشهد السياسي؛ وذلك لتباين المواقف بين مكوناتها في قضايا رئيسة.
وبعد أن واجه حزب الأمة القومي سهام الانتقاد لتجميده
نشاطه، الذي رآه بعضهم نوعاً من فرض الرأي، وسعياً إلى تقويض الفترة الانتقالية، تابعنا
بعد ذلك اجتماعات ممثلي حزب الأمة مع قادة القوى السياسية، ورئيس مجلس الوزراء
د.عبدالله حمدوك، واعترافهم جميعاً بأهمية تصحيح مسار الحاضنة من خلال مؤتمر جامع.
وكان المفترض أن يكون المؤتمر متقدماً على الخطوات
المتسارعة التي اتخذها رئيس الوزراء من تعديل وزاري، وتعيين الولاة، والسعي إلى
تشكيل المجلس التشريعي، وذلك فقط للوفاء بما قطعه على نفسه في لحظة حماسية، وهو
يخاطب مليونية 30 يونيو.
إن هذه الخلافات تلقي بظلالها على الأداء العام،
ويتلظى بنيرانها المواطن المسكين، الذي يلهب ظهره جنون الأسعار، وتدني الخدمات،
إلى جانب حيرته في تفسير هذا المشهد السريالي، الذي يستعصى تحليله على أعتى
الخبراء والمحللين السياسيين.
ويزداد المشهد غموضاً ويبدو عبثياً ونحن نتابع طلب حزب
الأمة من الولاة المنتمين إليه بعدم أداء القسم، ورفض الولاية، وصدور بيان آخر
منسوب إلى تجمع المهنيين السودانيين (الثاني) يؤكد دعم الحكومة الانتقالية، ويرفض
الانسحاب من قوى الحرية والتغيير، وهذا يعني أننا أصبحنا أمام كيانين بمسمى واحد.
وتوالت بيانات من فرعيات التجمع ترفض الانسحاب، ولم
يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد ذهب التجمع (الأول) بعيداً، وأعلن تحالفه مع
الحركة الشعبية شمال، جناح عبدالعزيز الحلو.
وفي الوقت نفسه، يحذر نائب رئيس المجلس الانتقالي محمد
حمدان دقلو (حميدتي)، قائلاً: “البلد اذا اتفرتقت ما بتتلم”.
وأنا أضم صوتي إلى صوته على الرغم من كل الانتقادات
التي سبق أن وجهتها له، وللعسكر عموماً.
بلد مهدد بحركات مسلحة، أصبح اسم دلعها اليوم حركات النضال المسلح، وقوى سياسية همها الأول فرض العلمانية بضربة لازب، وتجمع المهنيين السودانيين الذي منحه الشعب شرف قيادة الثورة بعد أن كان كياناً مطلبيّاً لا غير، يتصارع فيه الآن كل الأحزاب والقوى السياسية، حتى غدا كيانين، وبدلاً من أن يحتفظ بمكانته السامية، يتحول أحدهما إلى كيان سياسي بقدرة قادر، ويتحالف مع حركة عسكرية لم تضع السلاح بعد، ما هذه العبثية؟
والحكومة الانتقالية التي ظللنا ندعمها ونبارك خطاها،
وننافح عنها، فقدت البوصلة، وأصبحت تتخذ الخطوة ثم تفكر فيها، وفاح الحديث عن دولة
المستشارين التي تتحكم في دفة الحكومة.
كيف في ظل هذا المشهد الغامض إلى حد العتمة يستطيع
الولاة أن يقوموا بأدوارهم في ولاياتهم التي تنتظرهم بقائمة من المشكلات والآلام،
التي يجب حلّها بأسرع ما يمكن، بعد أن استفحل الأمر، واتسع الخرق على الراقع.
ألم يكن الأجدى حلّ مشكلات الحاضنة السياسية (قوى
الحرية والتغيير)، وتقريب المسافات بين مكوناتها، بدلاً من هذه الهرولة إلى
الهاوية؟