بتاريخ الخميس (10 يوليو 2020م)، أعلن وزير الثقافة والاعلام فيصل
محمد صالح عبر وسائل الاعلام بأن مجلس الوزراء أجاز في اجتماعه بتاريخ الأربعاء (9
يوليو 2010م) قانون تنظيم الحكم اللامركزي والعلاقات بين أجهزته لسنة 2020م، وأنه
أبدى بعض الملاحظات حول مشروع القانون، ووجه وزير العدل لإعداده في شكله النهائي.
قام وزير العدل بإجراء التعديلات
المقترحة من مجلس الوزراء، ورفعه إلى وزير رئاسة مجلس الوزراء بموجب خطابه بالنمرة
وع/و/ص خ /244/2020 المؤرخ في (9 أغسطس 2020م)؛ توطئة لمناقشته في الاجتماع
المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء.
اطلعت على مشروع القانون، وما ورد فيه
من أحكام ونصوص، فكان بالنسبة إليّ أمراً محزنا ومحيّراً، بل مثيراً للدهشة،
وانتاب الشعور ذاته المتخصصين في مجال القانون والإدارة، ممن اطلعوا على القانون،
وامتدّ الشعور ذاته إلى عدد كبير من القراء العاديين حسب متابعاتي.
إن مجرد تسميته هذا المشروع بالقانون
فيه نظر؛ لما شابه من ضعف في الصياغة، وتفسير الكلمات والمصطلحات، والأخطاء
اللغوية والنحوية، وسوء التبويب، والأدهى والأمر تجاوز القانون الأسس والمبادئ
والأعراف الدستورية والقانونية.
غاب عن مشروع القانون مبادئ وأهداف الاتفاق
السياسي، والوثيقة الدستورية لسنة 2019م، التي تمثل المرجعية الدستورية للحكم
اللامركزي بمستوياته المختلفة، ومهام ومتطلبات المرحلة الانتقالية، كما خلى من روح
الثورة وتطلعاتها؛ لتحقيق الأهداف النبيلة التي قامت من أجلها.
لذا يظل السؤال الجوهري قائما:ً كيف مرّ هذا
القانون بمراحل الإعداد والمراجعة حتى اكتمال إجازته من مجلس الوزراء، ومراجعته
مرة أخرى بواسطة وزير العدل للعرض على الاجتماع المشترك للإجازة النهائية بهذه
الصورة المحزنة؟ هل تمّ ذلك عن جهل أم هو أمر مقصود ومرتبط بأجندة خاصة هذا ما
ستجيب عنه الأيام، وإنا منتظرون.
من الناحية الموضوعية، فإن الأحكام
الواردة بالقانون يشكل حقلاً من الألغام، فما مادة إلا وحولها ملاحظة جوهرية؛ لتكون
المحصلة النهائية أنه ليست هناك ثمة قانون اسمه (قانون الحكم اللامركزي والعلاقة
بين أجهزته لسنة 2020م)، ومن المستحيل أن يحقق هذا القانون في حال إجازته بعيوبه بواسطة
الاجتماع المشترك أياً من أهداف الثورة، أو المساهمة في التحول للحكم المدني الذي
انتظره الثوار على مدى عام كامل.
وابتداءً، فان تسمية القانون ب ( قانون تنظيم الحكم اللامركزي والعلاقة بين
أجهزته) جانبه الصواب، إذأن
تحديد نوع الحكم والعلاقة بين أجهزته أمر
دستوري حسمته الوثيقة الدستورية لسنة 2019م
بنص4(1) بأن نظام الحكم هو النظام التعددي الديمقراطي البرلماني
اللامركزي، كما حددت الوثيقة مستويات الحكم الثلاثة، وهي: الحكم الاتحادي، والحكم
الولائي، والحكم المحلي؛ لتكون لكل مستوى منها
اختصاصات وصلاحيات حصرية ومشتركة وموارد خاصة بها، وليكون لكل مستوي قانون
خاص به؛ لذا فان تسمية القانون بهذا الاسم والخلط بين مستويات الحكم الثلاثة
وصلاحيات واختصاصات وموارد تلك المستويات أمر غير مقبول ومخالف لروح ونصوص الوثيقة
الدستورية.
هذه مقدمة ومدخل مهم لعرض رؤية قانونية
حول مشروع قانون الحكم اللامركزي والعلاقة بين أجهزته لسنة 2020م، سأجتهد في تناوله
على حلقات، مرحباً بكل تغليق وملاحظة ورأي في سبيل إصلاح هذا القانون المهم في
مسيرة الحكم الانتقالي، وترسيخ قيم الحكم المدني الراشد، متمنين أن نجد من بين
حكامنا بشقيه المدني والعسكري من يستمع إلى صوت العقل، ويعود إلى فضيلة الحق
انتصاراً لصراخ الثوار المطالبة بالمدنية، وتصحيح المسار، والله من وراء القصد.
يتبع