” شوف الزول ده مشية الشيخة خايلة فيه كيفن”.. من حكايات موسى الشيخ التي لا تنتهي
نقله على لسان الراوي دكتور/ عبد الوهاب إبراهيم الزين
موسى الشيخ من التكلة أبشر دنقلاوي الجذور كان من كبار تجار البصل قبل أن يتعرض لمحنة الاغتراب وما زال يتمسك بحكمة” بيع البصل بما حصل، وذلك رغم أنه غير مهنته تماماً، وعلمه الاغتراب حرفة جديدة، وأصبح مهنياً يشار له بالبنان.
عرفناه في ليبيا شخصاً حكواتياً وجليساً لا تمل أحاديثة الشجية، ما أن تتحدث في موضوع إلا ويتخذ منه مثلاً ويذهب بك في تفاصيل ممتعة من حكايات القرية القديمة، لكن دائما ينبغي الحذر من جانب المستمع إليه، لأنه سريعاً ما يكتسب عداوته أو عداوة صديقه زين العابدين إبراهيم من حلة فضل، عندما يرفع المستمع عينيه إلى صلعتيهما أو إلى بعض من الشعيرات المصبوغة رغم أن كليهما يقتربان من آراذل العمر، فيما يتناهزان الستين من العمر.
كنت دائما أقول للعم موسى الذي يكبرني بنحو ثلاثين عاماً:”يا عم موسى خلينا نجمّع حكاياتك الكتيرة دي في كتاب،” فيرد دائماً: “عمى كباسة.. عايز تنشرها في كتاب وتبيع مجهودي الأدبي وطلعني كيت”. “لا ياجدو بنمسح ليك شنبك بقرشين تلاته”، فيضحك ضحكته المجلجلة: “بالله شوف الزول عايز يغشني كيفن .. أديني العربون بالأول”.
الحكاية التالية التي يرويها موسى تعكس ذلك النوع من الصراع القبلي في السودان، الذي غالباً ما يكون كامناً وقد لا ينتبه إليه أهلنا الطيبون في قرانا الوديعة ما لم يشتعل فتيله بسبب أو بآخر.. ولاهتمامي الشخصي بمسألة التكامل الوطني والوحدة الوطنية في السودان سأنقل لكم هذه الحكاية كما رواها لي صديقي العزيز والرائع الجميل موسى الشيخ..
أقبل موسى من شارع بعيد من داخل أروقة جامعة التحدي بمدينة سرت، وكعادتي في مشاكسته بما لا يود سماعه، قلت له “يا جدو عرفتك من مشيتك .. خطواتك بقت قصيرة خالص، والزول لمان يعجز خطواته بتقصر”.. الحقيقة كنت أخشى أن يخرج لي موسى بحكاية من حكاويه الطويلة فيما أنا كنت في عجلة من أمري .. قال: “تعال .. تعال اسمع الحكاية دي بمناسبة المشية العرفتني بيها”. وعلى مضض وقفت لأستمع عله يكون حديثاً قصيراً وموجزاً..
” زمان مكان قرية التكلة كان خلا، وجا المنطقة دي واحد محسي اسمه كرجة، وقام بنى تكل بتاع قش ومشى اسم “التكلة كرجة” على القرية، وبعدين لمان جو الانقليز قالو لي كرجه أبقى شيخ القرية، ولأنه كان مشغول بالسواقي أبي ما يبقى الشيخ.. دا حين هو فاضي للشياخة، قاموا الانقليز اختاروا ليهم واحد اسمه أبشر، وهو أصلن جعلي. والناس ما اشتغلت بقصة الاسم لفترة طويلة، وكانوا عايشين كويسين جداً مع بعضهم لدرجة إنه ما بتعرف الدنقلاوي من المحسي، ولّه من الجعلي حتى المداحين الشوايقة لمان يجو في القرية ما كانوا بيفرزوا القبايل بس يمدحو ويتعشو ويمشو.
وتمضي الأيام وأهل تكلة أبشر في وئام. “لغاية ما قاموا ناس نميري وعملوا طريق الخرتوم – مدني وجابو لافتات بأسامي الحلال اللي على الطريق كلها، ومن ضمنم التكلا أبشر.. وكل شئ كما كان ما في حد جايب خبر..”
ولكن هل يظل الاستقرار
القبلي في إطار القرية على ما هو .. فيعيش الناس مع بعضهم دون نعرات قبلية؟ أم
يأتي فجاة من يصب النار ويثير الفتنة كما فعلت عجوبة الخربت سوبا.. دعونا نواصل
الاستماع إلى حديث العم موسى – وأعوذ بالله من كلمة عمو أو جدو – ما لم يكن موسى
منهمكًا في الاسترسال غير منتبه في غمرة الاسترسال إلى كلمتي (عمو وجدو) اللتين
ألقي بهما إليه بين الفينة والأخرى مستقلاً استغراقه في الحديث ..
“وجات ولية محسية من بري المحس في عزا واحد من المحس في التكلة أبشر.. وبمجرد ما نزلت قرت اللافتة في المحطة مكتوب عليها ( التكلة أبشر)، وبدل ما تولول على الميت بدت تولول على “كرجة” ووب عليك يا “كرجة” ووب عليك يررحت شمار في مرقة.. وأثارت الرجال بقولها.. كيف التكلا بتاعت جدكم كرجة تتسمى باسم واحد جعلي دخيل عليكم.. وحدثت الفتنة الكبرى، وبالفعل هب بعض الرجال القاعدين في العزا … واحد فيهم قال علي الطلاق الولية دي كلامها صُح. وقربت تقوم القيامة في التكلة.. ولا حرب الجنوب ولا بتاع أمدرمان داك السموه خليل عثمان”، وهنا قاطعته .. يا موسى خليل عثمان بتاع النسيج ومن الدويم .. بتاع أمدرمان البتقصده اسمه خليل إبراهيم.. “يا هو بس .. خليني اكمل ليك القصة بمناسسبة المشية العرفتني بيها”.
“وبدت الشكاوي شان يرجعو الاسم لصاحب الاسم، وصلت للمحاكم والأغرب من كده إنه الناس المتشاكلين يمشوا مع بعضهم في المناسبات كأنه ما في حاجة بيناتهم، وفي نفس الوقت يشتكو وبيرفعو العرائض عشان التسمية. واتلمت القبايل عشان تعمل صلح بيناتم.. وحصلت طرائف.. كدي نحكي ليك الطرايف دي.. في وحدة موظفة في المجلس لمان شافت الحجة في موضوع اسم ما اسم، قالت عندي نقطة نظام، الجماعة سمحوا ليها بنقطة النظام وبعدين قالت: أنا بتبرع باسمي .. سموها “التكلة حليمة “.. ده حين أنا اسمي حليمة خدو الاسم بتاعي.. بعدين السبب الخلاني أسرد القصة دي واحد اسمه خليل، (قلت له أوع يكون خليل إبراهيم؟) قال “لا خليل شيخ حلة كلكول مجرد ما يلاقيني في السوق يقول” هي ياموسى يا بتاع التكلة حليمة”. وبالمناسبة موسى في اللحظة دي نسى السبب الأصلي لسرده للحكاية دي.. ولأنني كنت في عجلة من أمري وحتى ينهي حديثة دون زعل أعود كل مرة لأذكره بالمناسبة..
“مناسبة المشية ايوه..ما أنا جايك للقصة.. “إيه يا موسي.. ما تقول المناسبة وخلصنا”.. يواصل موسى: ” القضية بتاعت الاسم بقت قضية كبيرة انشغلو بيها الكبار والصغار في القرية.. المحس قاموا مشوا لأبوالقاسم هاشم ولّه أبوالقاسم محمد إبراهيم ما متذكرو .. المهم المحسي داك الكان ساكن في بري.. ما عارفو كان وزير ولا بتاع أمن .. غايتو جا الحلة وجمع ناس القرية كلهم قال المشكلة في الاسم؟ يا جماعة صلوا ع النبي نحن نسميها التكلة الثورة.. وبالفعل جابو اللافتة، وكتبوا عليها التكلا الثورة.. وقاموا الجعليين قلعوها.. والمحس سكتو علي كده.. قالوا ما دام ما في لافتة تجي تقراها محسية تجي العزا من بري و ولّه من دلقو ما في مشكلة وقعدت التكلة أبشر (لكن يا موسى ايه دخل مشيتك وخطواتك القصرت في الموضوع ده كله؟).. “ما هو واحد من المحس اسمه حاج علي مشى اتزوج بت العمدة الجعلي. والإشاعة طلعت في الحلة انه حيكون الشيخ.. ويمكن هو نفسه صدق الإشاعة دي، وقال من الحيمشي يقول الكلام ده لصاحبي المرحوم أمبلي. . بعدين الجماعة قاعدين في سوق الخدار.. وراجل كبير شاف الزول المحسي المشى ناسب العمدة ماشي على سوق الخدار .. قام قال ليهم شوف “الزول مشية الشيخة خايلة فيه كيفن”. “وبعدين انت ختمت الكلام ولا شنو” ايوا ياموسى أنا عندي شغل قول باقي كلامك بسرعة” .. ( دحين انت ماشي تنشر الكلام ولا شنو .. ما بيقوم ناس التكلة أبشر يزعلو وناس التكلة كرجة يقوم تاني بعكاكيزهم ويحلفوا يجيبوا راس الدنقلاوي ده” …الناس بعد المشكلة دي أي واحد يقول ليه تعال نسمي التكلة باسمك يرفض. وبعدين واحد بيشرب مع صاحبه في الجبنة في بيتم، قال لمضيقه نسمي القرية باسم والدك آدم المرحوم.. أمه بعدما راقدة قامت علي حيلها، وقالت ليهم آدم يهجرنو طوباته لو قتو التكلا آدم….
بعد ما موسى اتوكل مشى سألت الزين .. يا أبني يا الزين (يا ابني هنا لاستدراجه للتصديق على أقوال موسى) انتو مش جنب التكلة كلام عمك موسى ده مصبوط.. انبسط جداً لكلمة يا ابني وأرسل ضحكة عالية وانفرجت أساريره .. تعرف يا دكتور.. هسع الناس بيقولو .. نحن نازلين حلة التكلة الكبيرة وبعد متر واحد منها تانين بيقولو نزلنا حلة التكلا الصغيرة..”
هكذا تمكنت لافتة “حكومية رسمية” صغيرة على الطريق في اندلاع فتنة قبلية. كم هي ملعونة هذه اللافتة الحكومية الرسمية التي أججت فتنة لم تطفئها المحاكم والعرائض ولا الطرق الدبلوماسية ولا الوساطات ولا المصاهرة، ولا مشية الشيخة الخايلة في حاج علي .. ولا نقطة نظام الست حليمة.. ولا مجلس الأمن ولا جامعة الدول العربية ولا الاتحاد الأفريقي.. ومفوضياته وما كانت تحل حتى إذا وصل الأمر إلى نيفاشا وابوجا عشرة، إنما ين حل المشكلة عندما إزيلت اللافتة من على الطريق وعندما أصبحت إشارات ركاب البص من التكلاوين حسب حجم القرية “ها… يا كمساري نزلني في حلة التكلة الكبيرة وعلى أمتار منها ينزل آخرون في حلة التكلة الصغيرة .. هكذا عالجت “الكبيرة والصغيرة ما لم يعالجه كرجة المحسي ولا أبشر الجعلي ولا أبوالقاسم أي كان ولا حتى موسى الدنقلاوي رغم ثرثرته في حكاوي القرية الجميلة، فلتذهب اللافتات الرسمية إلى الحجيم إن كان فيها ما يهدد وحدة القرية الآمنة.
إلى اللقاء مع حديث جديد قديم على لسان موسى الشيخ، وسيكون الحديث تحول الجديد عمران إلى الجديد الثورة وما واكب ذلك من أحداث.