استبعد الكثيرون قيام انقلاب مجددا في السودان في ظل قرارات الاتحاد الأفريقي والتوجه العالمي العام ضد الانقلابات، ولكن ما حدث في دولة مالي في الايام الماضية من انقلاب عسكري، يفتح الباب مجددا للتساؤل حول إمكانية حدوث انقلاب في السودان على الطريقة المالية التي لا تختلف كثيرا عن الطريقة السيساوية في مصر، فكليهما استلام عسكري للسلطة بإدعاء الإنحياز إلى الجماهير التي خرجت تنادي باسقاط رئيس البلاد.
ثورة ديسمبر ليست هي الثورة الأولى التي فجرها شعبنا، سبقتها ثورتين في أكتوبر ١٩٦٤ وأبريل ١٩٨٥، وللاسف الثورتين السابقتين تم الانقلاب عليهما، وضاعت تضحيات الشهداء و الشعب فيهما هباءا منثورا. فكيف نمنع ثورة ديسمبر من الوقوع في مصير الثورات السابقة؟ هذا السؤال موجود في اعماق كل مواطن سوداني ثائر، وهو أكثر سؤال ملح الآن في ظل وجود حالة من السيولة السياسية والاحتقان والفشل الحكومي.
لتفادي الانقلاب علينا معرفة الأسباب التي أدت إلى الانقلاب على ثورتي أكتوبر وابريل ومعالجتها. ثورة أكتوبر انقلب عليها النميري والحزب الشيوعي وثورة أبريل انقلب عليها البشير وحزب الجبهة الإسلامية، يظهر من هنا ان السبب الاول للانقلابات هو عقيدة الاحزاب السياسية الانقلابية، بالنظر إلى طبيعة الأحزاب الانقلابية في السودان (الحزب الشيوعي وحزب الجبهة الإسلامية ) نجد أنهما أحزاب إيديولوجية فشلت تاريخيا في كسب رضا الشعب السوداني وخسرت معارك الانتخابات لذلك تولد لديها الغبن ضد مجموع الواقع السياسي واعتبرته واقعا معيبا وشعرت بأن الطريق إلى تغييره هو الانقلاب عليه، وهذا بالطبع طريق خاطيء وثبت لها بالدليل القاطع، إذ أن الحزبين الذين قاما بالانقلابين تم طردهما من السلطة بواسطة العسكر، وبدل ان يكسبا بالسلطة خسرا خسرانا مبينا، فقد خسر الحزب الشيوعي كل قياداته التي اعدمها نميري، بينما خسر الترابي عراب الانقاذ موقعه في السلطة ومات وحيدا مطرودا خارج السلطة التي دبر وخطط لوجودها. عملية كف يد الأحزاب السياسية عن استغلال العسكر للاطاحة بالديمقراطية ستكون هي المعركة الأكبر التي تدخلها ثورة ديسمبر، فهل تكسبها؟
السبب الاهم الثاني للانقلاب على أنظمة الثورات الديمقراطية هي الحرب، ففي كل مرة يطيح بالديمقراطية إنقلاب يكون من اول مبرراته الحرب واتهام النظام الديمقراطي بفشله في معالجة أسبابها، وقد ساعد الانقلابيين في ذلك حركات مسلحة لم تكن تؤمن بالوحدة ولا بالديمقراطية وإنما كانت تؤمن بتمزيق الوطن وانفصاله، وهو ما ثبت شرعا بانفصال الجنوب، فإذا كانت حرب الجنوب سببا من أسباب الانقلابات الماضية قد انتهت بانفصال الجنوب، فإن حربا جديدة قد وقعت في السودان ابان حكم البشير في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ، فهل سوف تسقي حركات الكفاح المسلح ثورة ديسمبر من نفس الكاس الذي سقى منه جون قرنق ديمقراطية أبريل؟ هذا السؤال ستجيب عليه استجابة الحركات المسلحة لمفاوضات السلام الراهنة في ظل الحكومة الانتقالية، الحركات التي تستجيب بسلاسة للسلام هي حركات وطنية يرجى منها وحدة وديمقراطية، بينما الحركات التي تضع العراقيل والحجج ضد إكمال التفاوض وإنجاز السلام هي حركات ذات مشروع إنفصالي لا تفرق بين حكومة ثورة وحكومة شمولية، وستكون مدخلا لانقلاب جديد على ثورة ديسمبر.
sondy25@gmail.com