استقبلت الخرطوم اليوم الثلاثاء زيارات رفيعة المستوى من وزير الخارجية الأميركي ورئيس الوزراء الاثيوبي، كل ضيف يحمل أجندته الخاصة، ولكن زيارة وزير الخارجية الأمريكية ذات دلالات أكبر، فهي إقرار بتجاوز السودان لأكبر عزلة دولية فرضت عليه من قبل أمريكا، اذ لم يزر مسؤل أمريكي كبير السودان منذ عام ٢٠٠٤ أيام اتفاقية السلام، انطلاقة طائرة وزير الخارجية الأميركي في رحلة مباشرة من تل أبيب إلى الخرطوم، مقروءة مع لقاء البرهان – نتنياهو في اوغندا، تجعل اسطورة عاصمة اللاءات الثلاثة في مهب الريح، وتفتح الأبواب للتفاوض العلني حول علاقات سودانية – إسرائيلية، حتى مع الرفض الذي أعلنه رئيس مجلس الوزراء بأن الحكومة الانتقالية لا تملك التفويض اللازم للبت في هذا الأمر، الا ان النتيجة النهائية هي أن هذه العلاقة لم تعد محرمة ولا من المنكرات السياسية كما كانت في السابق.
واضح ان بومبيو طلب من حمدوك بوضوح أن يفتح السودان صفحة علاقات جديدة مع إسرائيل، ولأنه يعلم أن الحاضنة السياسية لحمدوك بحزبيها القويين الأمة والشيوعي ضد التطبيع، فهو بالتأكيد سيضع امام حمدوك خارطة طريق لهذه العلاقة، لا تبدأ فجأة ولا بخطوة واحدة، وإنما تعتمد سياسة النفس الطويل في تقريب أفق المصالح المشتركة، الصحافة الإسرائيلية أعلنت عن مؤتمر أمريكي لقضية السلام في الشرق الأوسط وتحدثت عن دعوة محتملة للسودان لهذا المحفل، بهذه المقاربات قد تدشن امريكا خارطة الطريق السودانية-الإسرائيلية.
جودة العلاقات السودانية-العالمية التي عبرت عنها زيارات اليوم، واكبتها في الداخل رداءة في العلاقات السودانية-السودانية، هذه المعادلة المختلة تجعل معظم المكاسب الخارجية غير ذات جدوى. من العجيب أن الفرص التي تلوح للبلاد للاندماج في العالم الخارجي تقابلها رغبة داخلية عارمة في تبديدها من منطلقات ايدولوجية بحتة، من العجيب أن الاهتمام المتعاظم من الحكومة السودانية في إقامة علاقات شراكة دولية مبنية على الاحترام المتبادل مع دول العالم، يقابلها اهتمام متدني جدا من ذات الحكومة في إقامة علاقات شراكة داخلها بين المكونين المدني والعسكري، أو بين احزاب حاضنتها السياسية!!. متلازمة الفشل في صناعة تماسك إدارة الدولة في ظل الفترات الانتقالية والديمقراطية في السودان هو أمر محير.
سواء قامت الحكومة بالتطبيع ام لم تفعل، سواء تم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أو لم يتم، سيظل كل ذلك بلا معنى في ظل انعدام الوحدة الداخلية. لمواكبة الاهتمام العالمي بالسودان وثورته مطلوب في الفترة القادمة العمل على وحدة وتماسك نسيج الثورة، العمل على وحدة قوى الحرية والتغيير ووحدة تجمع المهنيين، العمل على دعم الشراكة بين المدنيين والعسكر ، والتجاوز والتنازل من كل الأطراف من أجل المحافظة على هذه الشراكة والعبور بها نحو الانتخابات.
sondy25@gmail.com